Tuesday, July 27, 2010

أسئلة للمتقاعدين العسكريين ومقال روبرت فسك 1/2

أسئلة للمتقاعدين العسكريين ومقال روبرت فسك 1/2

أخبار الأخيرة | سوري يقود Apple لنجاحاتها .. من ماكنتوش إلى آي باد

أخبار الأخيرة سوري يقود Apple لنجاحاتها .. من ماكنتوش إلى آي باد

هل تهدم الرمثا ذكرياتنا بحاوز الكيال؟ قضية للحوار

المصحف الجامع - تفسير - تجويد - تراجم - قراءات - بحث

المصحف الجامع - تفسير - تجويد - تراجم - قراءات - بحث

فشل ومراهقة في مواجهة المتقاعدين العسكريين


خبرني - كتب بسام بدارين مراسل صحيفة القدس العربي في عمان : سقطت عمليا النظريات الكلاسيكية في احتواء حركة المعارضة الصاعدة باسم المتقاعدين العسكريين في الاردن التي قطعت خلال اليومين الماضيين شوطا اضافيا بعد لقاءات مع قادة حراك المعلمين على امل توحيد الصفوف تمهيدا لقرار متوقع بمقاطعة الانتخابات كأداة ضغط على الحكومة واجهزتها .
ورغم ان الشخصيات الرسمية تشكك كما لاحظ المحلل السياسي فهد الخيطان بدوافع اي حراك شعبي من اي نوع وتحاول في الوقت نفسه تقزيم واحيانا تشويه طروحات المعلمين والمتقاعدين في المسارات السياسية والاجتماعية الا ان قوة هذه الطروحات تفرض وقائع جديدة في الحياة الاعلامية والسياسية لا يمكن تجاهلها او الادعاء بعدم وجودها .
وليس سرا في السياق ان بعض البيانات السياسية التي صدرت فيما يخص جدل الهوية الوطنية والوضع الديمغرافي في البلاد بدأ يخلق ارباكات اجتماعية واضحة ويخيف قواعد كبيرة من ابناء المجتمع ويقلق الكثير من الفعاليات بحيث يستقبل اركان الحكم والدولة يوميا مذكرات او رسائل عنوانها الخوف من تنامي الطروحات الانقسامية .
القلقون في هذه المساحة يسمعون كلاما مطمئنا من المسؤولين التنفيذيين بعنوان محدودية تأثيرات بعض الطروحات وعدم وجود ما يدعو للقلق لكن في بعض الحيثيات لا ينجح ذلك في طمأنة بعض رجال الاعمال الذين حاولوا اللجوء للقصر الملكي ولا حتى في تحميس قواعد الاصول والمنابت للعملية الانتخابية التي وضع رئيس الوزراء سمير الرفاعي ثقله وراءها .
على الجبهة الموازية تلقى ملاحظات المتقاعدين العسكر تفهما واحيانا تأييدا واضحا حتى من بعض السياسيين خصوصا تلك الادبيات التي تنتقد الفساد وتدعو لاصلاح جهاز الادارة البيروقراطي وتعارض بيع اصول الدولة وممتلكاتها وتطرح خطابا عن اصلاح حقيقي بما في ذلك العودة للاصول الدستورية . مثل هذه الخطابات لا يمكن معارضتها من الناحية الواقعية وحتى الوسط الفلسطيني في الاردن الذي يشعر احيانا بان بعض التعبيرات تستهدفه عمليا لا يعارض الدعوات الاصلاحية من هذا النوع ويتعاطف مع معاناة المعلمين وعمال المياومة ويوافق على اكثر من نصف ادبيات المتقاعدين التي ظهرت في عدة بيانات وتصريحات وتقدير الكاتب الصحافي المخضرم خالد محادين ان بيانات المتقاعدين لو لم تتضمن بعض النصوص التي تقلق الاردنيين من اصل فلسطيني وتوحي بالمس بحقوق المواطنة لرفع الشارع الاردني بمختلف اصوله المتقاعدين وبياناتهم على الاكتاف .
وهذه القراءة يوافق عليها الكاتب البارز عريب الرنتاوي وهو يشير الى ان البيان الاول للمتقاعدين العسكر 'اقلق' نصف الشعب ولم يحظ باجماع النصف الآخر، كما يتضح من مبادرات موازية كتلك التي طرحها الرئيس الاسبق احمد عبيدات بعنوان الميثاق الوطني واختفى معها - نقصد المبادرة .
رغم ذلك تميزت بعض الافكار التي طرحتها اوساط المتقاعدين بشعبية يوافق عليها الجميع، فلا احد في الاردن يقبل بالوطن البديل بكل الاحوال لكن لا احد ينبغي ان يقبل بترك المشروع الصهيوني والتركيز على المساس بحقوق ضحاياه في المنطقة.. يقول عمر القيسي وهو باحث متخصص بقياسات الرأي العام ان بعض العناصر في خطابات المتقاعدين وليس كلها مقلقة جدا خصوصا عدم وجود اي اشارة لمساندة حقوق اللاجىء الفلسطيني في التعبير عن هويته كما يحصل في سورية ولبنان .
القيسي يعتقد ان التركيز الشديد على مسألة 'المحاصصة' مثلا لا يتناسب مع البعد الوطني في الطروحات البارزة الآن ليس فقط لان المحاصصة لا احد يدعو لها في الاردن خصوصا من رموز الوسط الفلسطيني الثقال او المهمين ولكن ايضا لان ادبيات بعض المتقاعدين هنا تأثرت فيما يبدو بأفكار مختلقة ابتدعها بعض المثقفين وشكلت مبررا لترويج بضاعتهم .
وسط كل هذا الجدل ثمة قناعات ترسخت ابرزها فشل احتواء حراك المتقاعدين ومراهقة الاداء الوزاري، فيما يخص حراك المعلمين وعمال المياومة .
والاهم القناعة بأن تيار المتقاعدين الذي اشتبك بالسياسة من اوسع الابواب واضيقها يتحول 'لقوة معارضة ' حقيقية الآن وهي معارضة من طراز مختلف ومفاجىء ولا يمكن المزاودة عليها ومن الصعب تصنيفها واتهامها، الامر الذي سيدفع الوسط الرسمي باتجاه التحالف مع الاسلاميين .
الاخطر انها معارضة لا تلتفت للعبة التقليدية المتمثلة بمعارضة الحكومات القائمة بل تتعدى ذلك بكثير وفقا للفقرة الاولى في النص الشهير للصحافي البريطاني روبرت فيسك بعنوان احتلال الفلسطينيين للاردن .

2010/7/27

Sunday, July 25, 2010

Midad

Midad

"البلاك بيري" متهم بالتجسس والقيام بأعمال إرهابية وتخريبية

عمون - ايلاف - ثارت الخلافات بشدة في الآونة الأخيرة بين حكومات الدول التي يستخدم مواطنوها والمقيمون على أراضيها خدمات هاتف "بلاك بيري" في عديد من الدول في أوروبا وأميركا ومنطقة الخليج وآسيا وأفريقيا و بين شركة "أر أي إم ريل موشن" الكندية المنتجة لأجهزة "بلاك بيري" التي تحتفظ بكامل خدماتها في مقرها الرئيسي في كندا وتتشدد في ذلك.

كما ترفض نشر خوادم في دول أخرى، معللة موقفها ذلك بأن السماح بنشر خوادم في دول أخرى سيحد من جودة خدماتها ويصعب خدمات الصيانة في حال حدوث خلل في الأجهزة. والجدير بالذكر أن الرسائل التي ترسل عبر هواتف "بلاك بيري" تمر عبر خوادم الكمبيوترات الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وهو ما قد يتيح إمكانية التجسس عليها والحصول على معلومات تخترق الأمن والخصوصية.

تجسس ونشر شائعات
وتتهم بعض الدول هواتف البلاك بيري بالتجسس على مصالحها الحيوية وتهديد أمنها القومي، ومحاولات اختراق أنظمة معلوماتها و أنها تعد حلقة وصل سرية بين الإرهابيين لتنفيذ أعمال إرهابية وتخريبية.

كما تتهمها دول أخرى بمساسها بأمنها الاجتماعي. وذلك من خلال المخاطر التي أثبتتها الممارسة الفعلية للجهاز كأسرع وسيلة لنشر الشائعات وتهييج الشارع مما يجعله أحد أخطر عناصر تهديد الأمن الاجتماعي. كما أن للبلاك بيري مخاطر تمس المنظومة القيمية للمجتمع خاصة في ظل ولع المراهقين والمراهقات باستخدامه وإمكانية تواصلهم مع كل مستخدمي الجهاز رغم اختلاف خلفياتهم الثقافية والأخلاقية مما قد يسفر عن خلق مشاكل أخلاقية خطيرة في ظل ضعف الرقابة الأسرية نتيجة عدم وعي بعض الآباء والأمهات بالمخاطر الأخلاقية للجهاز.

ولذلك تتوجه بعض الحكومات لمنع استخدام تلك الأجهزة على أراضيها، أو فرض رقابتها عليها على أدنى تقدير. وهو ما أدى إلى تقاسم آراء الجماهير بين مؤيد ومعارض. وتنتج تلك الاتهامات بسبب أن الجهات الرقابية الرسمية في الدول المختلفة ليس لديها إمكانية لمراقبة محتوى الرسائل والمعلومات المتوافرة داخل نطاق شبكة "أر أي إم". فرغم أنه من المفترض أن تكون كل المكالمات والرسائل القصيرة “sms” التي نجريها عبر هواتفنا خاضعة لقانون الرقابة الدولية التي تسمح للحكومات بمراقبة كل التحركات التي تدور داخل شبكة الدولة الا أن ذلك الوضع يختلف عند استخدام هاتف البلاك بييري حيث أن من يملك حق الرقابة على خدمات الهاتف هي الشركة المزودة للخدمة "أر أي إم ريل موشن" الكندية و ليس حكومات الدول التي يستخدم المقيمين فيها خدمات البلاك بيري.

شركات الاتصالات والشفرة
وتعاني شركات الاتصالات المحلية من كونها مجرد خادم لشركة البلاك بيري الكندية الأم "أر أي إم"، حيث تكمن مهمتها في جمع البيانات مشفرة "لايمكن فك الشفرة" وارسالها إلى خوادم "أر أي إم" التي تعمل على تحليل تلك الشيفرات وتخزين الرسائل فيها، ولا يحق لأحد الاطلاع عليها إلا من قبل "أر أي إم" وفي الحالات الضرورية فقط حيث للشركة الأم وحدها الحق في تفحص أي رسائل أو بيانات في حالة الشك في محتواها. وفي محاولة منها لتحجيم خطر البلاك بيري وكذلك من اجل الضغط على الشركة الأم قامت حكومات بعض الدول بالتهديد بحظر استخدام تلك الهواتف داخلها لأنها عجزت عن التحكم برقابة بعض خدمات ذلك الجهاز لأنها خارجة عن نطاق سيطرتها.

مواقف الحكومات و الشركة الأم
وكانت أول الخلافات التي نشبت بين الشركة الكندية والحكومات ما تم في نهاية عام 2008 عندما كشفت الحكومة الهندية أن منفذي تفجيرات "مومباي" التي حدثت على أراضيها في ذلك الوقت استخدموا خدمات جهاز "بلاك بري" في تواصلهم لتنفيذ تلك التفجيرات. وطلبت الحكومة الهندية من الشركة الكندية فك تشفير الرسائل المشبوهة حيث اشتكى مسئولي الاستخبارات الهنود من عدم قدرتهم على فك شفرة البيانات والرسائل التي يتم إرسالها عبر شبكة "بلاك بيري"، ولكن لاقى ذلك رفض شديد من قبل الشركة. وعللت ذلك بأنها لا تسمح لأي طرف آخر بالاطلاع على طريقة تشفير بياناتها، مما زاد من شدة التوتر بين الحكومات التي تريد حماية شعبها و أمنها و أراضيها وبين الشركة الكندية التي تحمي خصوصية عملائها وسرية بياناتهم. وفي الولايات المتحدة الأمريكية قام الفريق الأمني الرئاسي الأمريكي حسب شبكة "سي.إن.إن" الأخبارية الأمريكية بمصادرة جهاز الـ"بلاك بيري" الخاص بالرئيس باراك أوباما بسبب ما اعتبرته دواع أمنية، وذلك بعد أن استمر الرئيس في استخدام هذا الجهاز على الرغم العديد من النصائح التي كان تلقاها قبل دخوله إلى البيت الأبيض. وفي فرنسا طلبت الحكومة الفرنسية من موظفيها التوقف عن استخدام هاتف "بلاك بيري" مبررة ذلك بمخاوفها المتعلقة بأن الرسائل التي ترسل عبر الهواتف المعنية تمر عبر خوادم الكمبيوترات الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وهو ما يتيح إمكانية التجسس عليها والحصول على معلومات تخترق الأمن والخصوصية.

وفي الإمارات أعلن عدد كبير من مستخدمي هاتف " البلاك بيري" بالدولة مخاوفهم من إستخدام ذلك الهاتف الذي لم يعد مأمونا بشكل يضمن سرية المكالمات والرسائل التي تنطلق من خلاله، خاصة بعد استطلاع الرأي الذي أجرته شركة "انتيجرل ريسيرتش" خلال الفترة من 14 إلى 16 يوليو الجاري و أوضح الإستطلاع أن 58% من المشاركين به وغالبيتهم من الذكور الإماراتيين يشعرون بالقلق بعدما أعلنت بعض الجهات أن تطبيقات جهاز" البلاك بيري" مسيطر عليها من شركات خارج نطاق السلطة القضائية لدولة الإمارات، وهو أمر بات يهدد خصوصياتهم وأعمالهم التجارية داخل وخارج الدولة التي يحتاج الكثير منها إلى السرية.

وفي الكويت يطالب البعض المسؤولين بالتأكد من هذه الاجهزة ومدى خطورتها إن وجدت فعلا، وانه اذا كانت تستخدم استخداما غير جيد فلابد أن يكون للمسؤولين وقفة جادة وحازمة معها، مشيرين الى ان أمن ومصلحة الدولة فوق كل شيء و أنه اذا كانت أجهزة البلاك بيري تشكل خطرا فلابد من مصادرة هذه الاجهزة بالكامل من حامليها. وفي المقابل قال البعض الاخر أن وقف تلك الخدمة لن يجدي خاصة ان الأفراد يمكنهم شراء «بلاك بيري» من البحرين وتشغيل الخدمة.

وفي السعودية طلبت هيئة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات السعودية من شركة "أر أي إم" تزويدها بالوسائل التقنية التي تمكنها من الدخول على شبكتها، وأرفقت مطالبتها بتهديد بوقف الخدمة في المملكة في حالة عدم استجابة الشركة.

وفي البحرين قامت وزارة الإعلام والثقافة بمنع تناقل الأخبار بالهواتف النقالة من دون ترخيص من وزارة الإعلام، والتهديد بمعاقبة الأفراد والجهات والمسئولين على تلك الرسائل من خلال اتخاذ إجراءات قانونية من صحف وجمعيات، وذلك بهدف منع إرسال الأخبار عبر الرسائل النصية القصيرة لمشتركي خدمة "البلاك بيري" الهاتفية. وفي المقابل طالب مركز البحرين لحقوق الإنسان وزيرة الإعلام برفع الحظر على خدمات البث على البلاك بيري وغيره من وسائل النشر واحترام حقوق الناس في الحصول على الأخبار والمعلومات.

وفي مصر ألمحت الحكومة مؤخراً إلى أنها تنوى حظر خدمة "البلاك بيري"، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي، فضلاً عن مخاوف أخرى تتعلق بخصوصية وسرية الرسائل والبيانات التي تبث من خلاله. كما حظرت قطر و تونس استخدام خدمات معينة في البلاك بيري، كما حظرت باكستان استخدامه كليا بسبب ما يشكله من اختراق للخصوصية والسرية.

خارج الحدود
والجدير بالذكر أن جهاز "البلاك بيري" هو جهاز الاتصالات الوحيد في العالم الذي يصدّر بياناته فوراً إلى خارج حدود الدول التي يعمل فيها، وهو ما يشكل خطورة بالغة على سرية المعلومات خصوصية وأمن الأفراد والدول علاوة على أن الجهة التي تتولى إدارة كل ذلك هي شركة تجارية أجنبية، وهو ما يعني أن اتصالات "البلاك بيري"، والبيانات العابرة خلاله تظل خارج نطاق الاختصاصات والقوانين المحلية في الوقت الذي يمكن أن تتم فيه مراقبة جميع الاتصالات والبيانات التي يتم تداولها عبر تلك الأجهزة بواسطة طرف ثالث خارج الدولة.

استبدال البلاك بيري بالأيفون
وكانت دراسة قد ذكرها موقع PC world وقامت بها شركة crowdscience جاء فيها أن نسبة 40% من مستخدمي جهاز البلاك بيري مستعدون لاستبداله بجهاز الأيفون وأن ثلث هذه النسبة يرغبون في تجربة جهاز يعمل بنظام تشغيل أندرو يد,مع أن جهاز البلاك بيري في مجال المحادثة والمشاركة يعتبر الأكثر استخدما,إلا أن الكثير من مستخدميه قد لا يمانعون في تجربة غيره من الأجهزة في حال توفرت لهم الفرصة,ربما يرجع ذلك لأن غالبية مستخدميه لا يتعاملون معهُ سوى في المجال التجاري فقط. أما مستخدمي جهازي الأيفون والأندر ويد فأظهرت الدراسة أن غالبيتهم لا يفكرون أبداً في الانتقال إلى غيره من الأجهزة وأن نسبة تسعة من عشرة من مستخدمي الجهازين يفضلونها في مجال العمل والاستخدام الشخصي لما يوفرانه من مميزات تجمع المجالين معاً، إضافة إلى سهولة استخدام ولوحة تحكم سريعة وسلسة. ايلاف - محمود العوضي من دبي


Saturday, July 24, 2010

قصة مقتل عثمان رضى الله عنه

الم أحسب الناس أن يقولوا امنا وهم لايفتنون
وقال النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل
وإن الله يبتلي عباده على قدر إيمانهم فمن كان في دينه صلابة كانت أذيته في الله أشد
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه له خير, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ,وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له, وليس ذلك إلا للمؤمن)
لقد نظر الله في قلوب عباده, فوجد الصحابة أبر الناس قلوباً، وأعمق الناس علماً، وأفضل الناس خلقاً, قوم اختارهم الله لصحبة نبيه
خطبتنا هذه الجمعة عن علمٍ من أعلام التاريخ، ومصباحٍ من مصابيح الدجى، وقدوةٍ من عباد الله الصالحين, بحياتهم يزداد الخير، وبموتهم يزداد الشر, وتكثر الفتن والمحن
حديثنا أيها الأخوة المؤمنون عن صاحبيٍ جليلِ القدرِ والمكانةِ , صحابيٍ ابتُلِيَ في الله حقَّ الابتلاء, فصبر واحتسب, صحابيٍ حكمَ المسلمين بالعدل والإحسان.
حديثنا اليوم عن قصةِ مقتلِ عثمان رضي الله عنه.
إنه عثمانُ الخيرِ، إنه عثمانُ الحياء، إنه عثمانُ الصدق والإيمان، إنه عثمانُ البذل والتضحية ؟إنه ثالثُ الخلفاء الراشدين.
كان مقتلُ عثمان رضي الله عنه أعظمَ مصيبةٍ أصيبت بها الأمةُ بعد موتِ نبيِّها ، وإن كان الفاروقُ عمرُ رضي الله عنه قد قُتِلَ وهو أفضلُ من عثمان ,فإن قاتله كان رجلاً واحداً من المجوس لم يركع لله تعالى ركعةً، ولم يَدَّعِ بقتله إصلاحاً، بل إنه قَتَلَ نفسَه بعد فعلته .

وأما قتلةُ عثمان رضي الله عنه فهم جماعةٌ، قد دانوا بالإسلام، وأظهروا العبادةَ والصلاحَ، وزعموا بقتله الخيرَ والاصلاحَ،، وأعلنوا الخروجَ عليه ثم قتلوه، ففتحوا بابَ الفتنِ، ومفارقةِ الجماعة،
سبحان الله كيف أقدموا على هذا الفعلِ الشنيع؟ كيف سولت لهم أنفسُهم ذلك؟ وكيف وسوس الشيطانُ لهم؟
ولكنها الفتن تعمي القلوبَ والأبصارَ، نعوذُ بالله تعالى من الفتنِ ما ظهر منها وما بطنَ.
ولابد لنا أن نتكلم عن فضائله أولاً:
فضائله:
إذا ذُكِرَ عثمانُ ذكر الحياءُ فقد ثبت عنه أنه قال ألا أستحيي من رجلٍ تستحيي منه الملائكةُ .
الملائكة تستحيي منك يا عثمان.
إذا ذكر عثمان ذكر قيام الليل ففي قوله تعالى: أمّن هو قانت اناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة . قال ابن عمر هو عثمان بن عفان،؟
فقد روي عنه أنه قرأ القرآنَ العظيم كله في ركعة واحدة .في إحدى ليالي الشتاء الطويلة.
إذا ذكر عثمان ذكر التصدقُ والنفقةُ.
اعلموا أن المال من الأمور المهمة في نصرة دين الله سبحانه.
سبحان الله في جميع اياتِ القران إذا جُمِعَ بين المالِ والنفسِ قُدِمَ المالُ على النفس كقوله تعالى (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم) إلا في ايةٍ واحدةٍ (إن الله اشترى أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) لأهميةِ المالِ في الإسلام.
ففي غزوة تبوك
قال رسول اللَّه‏:‏ ‏‏من جهز جيش العُسرة فله الجنة‏‏, وسميت غزوة العُسرة، من قوله تعالى‏:‏ (‏ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة) في ساعة الضيق والشدة,
فتصدقَ عثمانُ ـ رضي اللَّه عنه بمالٍ جهَّزَ فيه نصفَ الجيش فتهلل وجه النبي فرحاًوهو يقول‏:‏ ‏‏(ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم)‏‏‏.‏ قالها الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
لقد أنفقَ عثمانُ رضي اللَّه عنه ـ في ذلك الجيش ,نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها‏.‏
وهو الذي اشترى بئر رومة
وقد قال رسول اللَّه‏:‏ ‏‏(من حفر بئر رومة فله الجنة) فاشترى البئر وجعلها لوجه الله تعالى .قال عثمان فاشتريها من خالص مالي.؟
إذا ذكر عثمان ذكر القران لقد كان عابداً خاشعا, خائفاً من الله, لا يمل من قراءة القرآن،
وهو الذي جمعَ الناسَ على حرف واحد، وكتابة المصحف على العرضة الأخيرة التي درسها النبي مع جبريل عليه السلام في آخر حياته.
وكان سببُ ذلك أن حذيفة بن اليمان أخبره أنه لما كان في بعض الغزوات، رأى الناسَ يختلفون في قراءاتهم ويُجَهِّلُ بعضُهم بعضاً فركب حذيفةُ إلى عثمانَ,
فقال: يا أميرَ المؤمنين أدرك هذه الأمةَ قبل أن تختلف في كتابها اختلافَ اليهود والنصارى، وذَكَرَ له ما شاهد هنالك.
فعند ذلك جمع عثمانُ الصحابةَ وشاورَهم في ذلك، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد.
وأن يجمع الناسَ في سائر الأقاليم على القراءة به.
فوافقهُ الصحابةُ، فحصل به إجماعُ الصحابةِ, فَأمَرَ زيدَ بن ثابت الأنصاري أن يكتب القرآن، ففعل زيدٌ ما أُمِرَ به وعندما تولى عليٌ الخلافةَ رضي الله عنه أَقَرَّ ما فعل عثمان.
فرضي اللهُ عن عثمان وجمعنا به في جنات النعيم.
أيها الأخوة المؤمنون: لقد جمعَ اللهُ لعثمانَ من الفضائلِ والمكارمِ ما جعله بحق أن يكون ثالثَ الخلفاءِ الراشدين بعد الشيخين أبي بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما، فلقد تزوج بنتَ رسولِ الله رقيةَ رضي الله عنها فلما توفيت, زَوَّجه رسولُ الله أمَّ كلثوم، فتوفيت أيضاً في صحبته فقال رسول الله : ((لو كان عندنا أخرى لزوجناها عثمان))،
وفي بيعةِ الرضوان التي قال الله فيها (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت) كان سببها أن عثمان خرج إلى مكةَ ليمثل المسلمين حتى أتى أبا سفيان وعظماءَ قريشٍ ,فبلَّغهم عن رسول اللَّه ما أَرسَلَهُ به،واحتَبَسَتهُ قريشٌ عندها، فبلغ رسولَ اللَّه والمسلمين أن عثمانَ بن عفان قد قُتِلَ،وهو لم يُقتَل رضي اللَّه عنه بل كان إشاعةً ولهذا حصلت بيعةُ الرضوان، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال‏:‏ ‏اللَّهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك‏.
يدُ النبي هي التي نابت عن يَدِ عثمان ؟ انظروا إلى هذه الكرامة التي أكرمَ اللهُ بها عثمان رضي اللَّه عنه
ولما صعدَ رسولُ الله الجبلَ:(أي جبل أحد) ومعه أبو بكرٍ وعمرَ وعثمانَ فرجف (أي الجبل) فقال: ((اسكُن أحد فليس عليك إلا نبيٌ وصديقٌ وشهيدان)) [رواه مسلم].
ولقد كان عثمانُ صاحبَ ثروةً عظيمةً ومن كبار التجار ,صاحبَ جاهٍ في قريش وكان رجالُ قريشٍ يأتونه ويألفونه لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته،
تبشيره بالجنة
وعن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة (أي بساتينها) فجاء رجل فاستفتح (أي استأذن بالدخول) فقال النبي : ((افتح له وبَشِّره بالجنة)) ففتحت له فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال النبي فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي : ((افتح له وبَشِّره بالجنة)) ففتحت له، فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبيُ فحمد الله، ثم استفتح رجلٌ فسكت هنيهة ثم قال لي: ((افتح له، وبشر بالجنة على بلوى تصيبه))، فإذا عثمان. فأخبرته بما قال رسول الله فحمد الله ثم قال: الله المستعان. [متفق عليه].
مقتله
ومن كان له علمٌ وعقلٌ عَلِمَ أن الخروجَ على السلاطين من أعظمِ الفتنِ التي تبتلى بها الأمة،من أهمها:سفكُ الدماء، ورفعُ الأمن، وحلولُ الخوفِ والجوعِ، والإفسادِ في الأرض،
وأن النصحَ والدعاءَ والصبرَ, والطاعةَ خيرٌ من نكثِ البيعة، ومفارقةِ الجماعة، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وقال النبي (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات ,إلا مات ميتة جاهلية)متفق عليه.
و في أواخر عهده ومع اتساع الفتوحات الاسلامية أراد بعضُ الحاقدين على الاسلام إثارةَ الفتنة ,فأخذوا يُثِيرُون الشبهاتِ, وينشرون الإشاعاتِ حولَ عثمان -رضي الله عنه- فانخدعَ بقولهم بعضُ الناسِ، وقابلوا الخليفةَ وطالبوه بالتنازل ، فدعاهم الى الاجتماع بالمسجد مع كبارِ الصحابة وغيرهم من أهل المدينة ، وفند مفترياتهم ,وأجاب على أسئلتهم, ثم عفى عنهم ،
ثم عادوا مرة اخرى وكان ذلك في أَواخرِ ذِي العقدة وعسكروا خارجَ المدينة .والناسُ فريقان خادعٌ ومخدوعٌ. وحاصروه ومنعوه من الخروج إلى المسجدِ وإلى السوقِ, وخلعوا إمامَ المسجدِ النبويِّ الذي عَيِّنَهُ عثمانُ ومنعوا إدخالَ الطعامِ والشرابِ عليه.
ودخلَ بعضُ أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم كلُّهم يريدون الدفاعَ عنه و كان أشهرُ هؤلاءِ الحسنُ بنُ عليٍ والحسينُ بن علي سيدا شبابِ أهلِ الجنة , وعبدُالله بن الزبير وأبو هريرة ومحمدُ بن طلحة بن عبيدالله وعبدُالله بن عمر و قد أشهروا سيوفَهم في وجهِ البغاةِ الذين أرادوا قتل عثمان رضي الله عنه.
لكنَّ الخليفةَ يكرهُ الفتنةَ, ويتقي اللهَ في دماءِ المسلمين, أن تسيلَ قطرةٌ من أجله.
قال ألستُ أميرَكم؟ قالوا: بلى, قال امرُكم أن يَلزَمَ كُلٌّ منكم بيتَه.
وقال من كانت لي في عُنُقِهِ بيعَةٌ فليضع سَيفَهُ.
وقال لِرقيقه مَن أَغمَدَ سيفَه فهو حُرٌّ.
.لايريد الفتنةَ, يريد أن يَحقن دماءَ المسلمين وهو يتذكر هذه المقالة( تقتل يا عثمان على بلوى تصيبك).
وهويتذكَّرُ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم :إن ولَّاكَ اللهُ هذا الأمر يوماً فأراد المنافقون أن تخلعَ قميصَك الذي قمصَك اللهُ فلا تَخلَعه.
ويتذكر قصةَ ابني ادم وقولَ النبي (كن كخير ابني ادم) وقال كن عبدَالله المقتول ولا تكن عبدَالله القاتل.
ولا يريد أن تكون سنة بعده, كلما كرهَ قومٌ خليفَتهم قالوا له اخلع نفسَك.
وجلسَ في البيت يقرأُ القرانَ؟ وهم يحاصرونه فصار يُذَكِّرهُم ببعضِ فضائِلِه
قال أَنشدُ رجالاً يومَ اهتَزّ الجبلُ قال:(اسكن أحد فان عليك نبي وصديق وشهيدان)
و يوم بيعة الرضوان (لما وضعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدا بالأُخرى وقال هذه يدي وهذه يد عثمان وبايع عني).
أنشد رجالاً شهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ من وَسَّعَ المسجدَ وسَّعَ الله عليه وبنى له به بيتاً بالجنة, ثم اشتريت أرضاً وَوَسَعتُ مسجدَ رسول الله

وفي يوم الجمعة 18 ذي الحجة سنة 35 من الهجرة أصبحَ صائماً ولَبِسَ ملابسَ زائدةَ, خشي إذا قُتِلَ أن تَنكَشِفَ عورَتُهُ . حتى وهو ميت صفة الحياء موجودة
فنشرَ المصحفَ يقرأُ القرانَ فدخل عليه بضعةُ عشر رجلاً ما فيهم أحدٌ من الصحابة و لا أبنائهم إِلا محمدَ بنَ أَبي بكر ثم تركهم وذهب.
وكان ممن افتُتِنَ بهذه الفتنة بسببِ الشائعاتِ, فقبضَه من لحيته قال لقد أَخذت مأخذا ما كان لأبي بكرٍ أن يأخذه فاستحيى وخرج واعتزل هؤلاء فلم يشاركهم في هذه الجريمة.
قالوا له: اخلعها وندعَك؟
فقال‏:‏ ‏"‏ويحك، واللَّهِ ما كشفتُ امرأةً في جاهليةٍ ولا إسلام، ولا تغنيتُ ولا وضعتُ يميني على عورتي مذ بايعتُ رسولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولستُ خالعًا قميصًا كسانيه اللَّه عز وجل، وأنا على مكاني حتى يُكرم اللَّهُ أهلَ السعادة ويُهين اللهُ أهلَ الشقاء‏"‏‏.‏
، وقال عن نفسه أيضا قبل قتله‏:‏ ‏"‏واللَّه ما زنيت في جاهلية وإسلام قط‏"‏‏.
.
ثم قال بيني وبينكم كتابُ الله وجاء أحدُهم ممن قسى قلبُه فضرب عثمانَ بالسيف فاتَّقاه عثمانُ بيده فَقُطِعَت يدُه اليمنى قال واللهِ إنَّ هذه اليد أولُ يدٍ كتبت القرانَ الكريم من سورة ق إلى اخر المصحف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

بلوى عظيمة نزلت به رضي الله عنه
.ثم جاء اخر فجعلَ يخنق عثمانَ خنقاً شديداً,
اللهُ عز وجل يبتلي عبده لأجل أن يكفِّر سيئاتِه ولأجل أن يرفع درجاتِه (وليمحص الله الذين امنوا)
ثم طعنواعثمانَ تسعَ طعناتٍ.
قال الحافظ الذهبي وابن حجر وابن كثير إن أولَ قطرةِ دمٍ وقعت على المصحف على قوله (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم).
قالت عائشة فتتبَّعَهُم اللهُ وقتلهم شرَّ قتلةٍ.
اللهُ سبحانه يُمهِل ولا يُهمِل فبعدَ أربعين سنةً قتلَ الحجاجُ اخرَهم ( إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)
,لم يطب لهم العيشُ إلا بقتل عثمان.
بكى الناسُ بكى الصحابةُ قُتِلَ أميرُ المؤمنين, قُتِلَ جامعُ القران, قُتِلَ المُنفِقُ بماله, قُتِلَ ذو النورين قُتِلَ الحيي الذي تستحيي منه الملائكة (ولا تحسبن الذين
فلم يراعوا له صحبتَه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ,ولم يراعوا فضلَه فإنه أفضلُ أهلِ الأرضِ في زمانه, ولم يراعوا أنه خليفةُ المسلمين ولم يراعوا عمره فكان عمره أكثر من 80 سنة , ولم يراعوا الشهرَ الحرامَ ولا البلدَ الحرام.
ودُفِنَ بالبقيع رضي الله عنك يا عثمان.
أيها المؤمنون تُعتبر فتنةُ مقتلِ الخليفةِ الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- مصيبةٌ عظيمةٌ، وحدثاً خطيراً في التاريخ الإسلامي.
بارك الله لي ولكم في القران الكريم
الخطبة الثانية
عثمان رضي الله عنه أميرُ البررة وقتيلُ الفجرة، مخذولٌ من خذله، ومنصورٌ من نصره إنه صاحبُ الهجرتين, ذو النورين وهو أحدُ العشرة المشهود لهم بالجنة,وهو ثالثُ الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين.
حكمَ الأمةَ الإسلاميةَ اثنا عشرة سنة، كثُرت في عهده الفتوحات، وجمعَ الله به ما اختلف عليه الناسُ، فقد جمع القرآن في عهده على حرف واحد, وحجّ بالناس عشر حجج متوالية, وهو أحدُ الستة الذين توفي رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو عنهم راضٍ
، كان عادلاً رحيماً ، فأحبَّه الناسُ ورضوا به، ولذلك لمَّا كان يومُ موته حزن الناسُ عليه حزناً شديداً، وبكى كبارُ الصحابة ، وتأسفوا عليه أسفاً بالغاً.
و لماذا لا يبكُون ويتأسَّفُون ويحزُنُون وهم يفتَقِدون رجلاً صالحاً ,وإماماً عادلاً، إماماً نشر فيهم العلمَ والدين، وحكمَ بهم بشريعةِ سيد المرسلين،
ولم يثبت أن أحداً من الصحابة شاركَ في مقتلِ عثمان إلا ما كان من موقف محمدِ بن أبي بكر كما سبق انفا ، بل حاولَ الصحابة رضي الله عنهم أن يدافعوا عن عثمان ولكنه أمرهم رضي الله عنه بالكف عن القتال ولزوم بيوتهم، واختار حقنَ دمائِهم وفداءَ أرواحِهم بدمِه وروحِه.
كُتِبَ الفناءُ على النفوسِ فما يُرى حيٌّ يدومُ مخلداً ويعمَّرُ
لكن من اتَّخَذَ الصلاحَ شعارَه تفنى الخليقةُ وهو حيٌّ يُذكَرُ
مَا مات من نشرَ الفضيلةَ والتُّقَى وأقامَ صَرحاً أُسُّهُ لا يُكسرُ
ماذا أقولُ عن المصابِ ومُهجَتي ألماً تغص وعَبرتي تَتَكَسَّرُ
هكذا يفعلُ الإيمانُ بأهله هكذا يفعل الصدقُ بأهله هكذا يفعل الإخلاصُ بأهله إنها التضحيةُ , إنها التقوى , إنها الخشيةُ
رضي الله عنك يا عثمان وجمعنا بك في جنات النعيم مع الحبيب محمد

Midad

Midad

Saturday, July 17, 2010

إسلاميات

حال السلف مع القرآن


الخطبة الأولى
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
الناظر إلى أحوال أمة الإسلام يرى كثيراً من البشائر ، ويلمح عدداً من المبشرات .. من أوبة صادقة إلى الإيمان ، ورجعة حقيقية إلى الإسلام ، ولهج بذكر الله - سبحانه وتعالى - إلى غير ذلك من صور عديدة ، غير أن ذلك أيضاً لا يجعلنا نظن أن كل أسباب القوة قد حصلت ، وأن جميع صور العودة والرجعة الصادقة قد تحققت ؛ فإن في الأمة ضعفاً ظاهراً ، وإن في صفوفها خللاً بيّناً ، وإن هناك عديدٌ وعديد من الأسباب والصور التي لا تتفق مع ما ينبغي أن تكون عليه الأمة .


وقد أسلفنا فيما مضى شيئاً من الحديث الذي ربط الماضي بالحاضر ؛ لنكتشف من وهج الماضي وضياءه بعض ظلمة الحاضر ، ولنرى فيما مضى ما يصلح بإذن الله - عز وجل - ما نحن فيه .
ولعلنا نتساءل كما تساءل إخواننا : أين الطريق ؟ وما هو الحل ؟ وكيف يكون الإصلاح وبعث الأمة من جديد وعودتها إلى سالف مجدها ؟ ولعل الجواب يضرنا جميعاً وهي كلمات قليلة يسيرة ألفناها وسمعناها كثيراً حتى صرنا كأننا لا نقنع بها ، ونطلب غيرها أو نظنها شيءٌ يقال لتهدئة الخواطر ، أو لدغدغة العواطف لا أقل ولا أكثر ، ونحن كلنا نقول : إن الحل والبعث والعودة والنهضة في الرجعة إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي ) .
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، وهذا الكلام لو زدت فيه ما زدت ؛ فإنه محفوظٌ عندكم بهذه الألفاظ مكرور عندما يأتي هذا السؤال ولكننا نريد أن نقف وقفات نهدف منها إلى شيءٍ من الوضوح والصراحة ، وإلى بعض من التنقيب والتنقير عن وجوه الخلل والنقص ؛ فإن القرآن كما هو بين أيدينا ما تغير منه لفظٌ واحد ، ولا حرف واحد ، ولا حركة واحدة ، وإن سنة محمد – صلى الله عليه وسلم - بين أيدينا ترسم لنا من حياته ما يجعلنا كأننا نراه رأي العين وكأننا نبصره – صلى الله عليه وسلم - في غدوه ورواحه ، وسلمه وحربه ، وفي بيته ومع أصحابه ، كأننا نعيش معه - عليه الصلاة والسلام - بل ربما قد تهيأ للأمة اليوم من انتشار القرآن كتابةً وسماعاً ، وكذلك السنّة ما لم يتهيأ لها في ظروف سابقة ، وتواريخ ماضية .

ونهدف أيضاً إلى أن نحرّك العواطف والمشاعر ، وإلى أن نحاول أن نغزو القلوب والنفوس ؛ لينبعث فيها ذلك الشعور الذي انبعث في صحب النبي – صلى الله عليه وسلم - وسرى في أوصال الأمة وجرى مع الدماء في العروق فغيّر كل شيء في هذه الحياة ؛ لأنه غيّر كل شيء في تلك النفوس : { إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .
ونهدف كذلك أيضاً إلى مخاطبة العقل الذي ربما ألمّ به في عصرنا الحاضر من الشبهات ما جعله في بعض الحيرة والتردد ومن إكثار القول من أهل الباطل حتى تشكك الناس في الحق الذي بين أيديهم ، وربما التمسوا لهذا التشكك حينئذٍ أبواباً يبحثون فيها أو من خلالها عن حلول أخرى ،وعن سبل أخرى غير ما جاء في كتاب الله ، وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فلم يكون ثمّة جديد إلا أن نقول : إن الحل والنهضة والعودة بالكتاب والسنة وإلا أن نقول : بأن قوة الأمة ووحدتها وعزتها لا تكون إلا بما كانت عليه هذه الصور والمظاهر كلها عبر تاريخ الأمة .

ولنا وقفات مع القرآن الكريم ، ومن بعدها وقفات أخرى مع سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم - .

نحن نريد أولاً أن نقف مع القرآن في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم -- والرعيل الأول ؛ لننظر إلى الصورة المؤثرة المغيِّرة التي جاء بها القرآن ، فغيّر وجه الأرض ، وغيّر القلوب والنفوس ، وغيّر الأفكار والعقول ، وغيّر الألفاظ والكلمات ، وغيّر مع ذلك الأفعال والسلوكيات ، فكان له الأثر الأعظم الذي كان هو القائد والموجه ، ليس للفرد وحده ، ولا للأسرة وحدها ، ولا للمجتمع لوحده وإنما كان الموجه للأمة في مجموعها ، في كل شأن من شؤونها صغيراً كان أو كبيراً .
ثم سننتقل إلى ما بعد ذلك - بمشيئة الله تعالى - ، فلننظر إلى حال الأمة العربية التي نزل فيها هذا القرآن كيف كانت عقولاً سخيفة ، وأفكاراً ضالة ، ومناهج منحرفة ، كان ضلال العقل فيها يتجسد في كل صغيرة وكبيرة من مناحيها ، أليست كانت تسجد للأصنام من حجرٍ وهي التي صنعتها ؟ أليست كانت تسجد للأصنام من تمرٍ وهي من بعد تأكلها ؟ أليست كانت ترى أن لإنسانٍ على إنسان شرفاً وفخراً بلون أو بحسب أو بمال أو بجاه ؟ أليست .. أليست .. إلى غير ذلك من صور كثيرة .

لننظر أيضاً إلى هذه الأمة ، كيف كانت مِزقاً ممزعة وأشلاءً مقطعة ، وكيف كانت حروباً متناحرة ، وكيف كانت أفئدة متباغضة ؟ وكيف كانت أنفساً متباعدة ؟ كيف كان لا يربط بين الفرد والفرد شيءٌ إلا مصلحة أو عصبية ، ثم لننظر أيضاً إلى ما كان فيها من سفاسف الأخلاق والفجور والخنا وشر الخمور وغير ذلك من كل ما نحن ملمّون به وعارفون بكثيرٍ منه .
ثم ما الذي غيّر ذلك كله ، لم يتغير في حال الأمة ، أو في حال العرب في ذلك الوقت شيءٌ إلا بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم - وتنزل الوحي الكريم عليه - عليه الصلاة والسلام - في غار حراء .. { اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علّم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم } .

أول نورٍ نزل من السماء لينشر الضياء ، ويبدد الظلمة وأول هداية نزلت لتلغي الضلالة ، ولترشد إلى الحق وإلى الطريق المستقيم ، هذا هو التغير الوحيد ، وهو الذي يفسر به كل ما تحول به كل العرب من ضعف إلى قوة ، ومن فرقةٍ إلى وحدة ومن ذلةٍ إلى عزة ، ومن سفاسف الأخلاق إلى مكارمها ، ومن مساوئ الأفعال إلى محاسنها ، إلى غير ذلك مما تغيّر به وجه الأرض .
ولننظر إلى ما نحن نريد أن نصوّره ونجسّده في ربط الأمة بالقرآن .. بهدي الرسول – صلى الله عليه وسلم - كيف ربطها به ؟، وكيف تحقق ذلك حيّاً في واقعها هو القائل - عليه الصلاة والسلام - : ( خيركم من تعلّم القرآن وعلمه ) .
فجعل الشرف الأعظم والخيرية الكبرى ، وكل تقدم وعلو ورفعة في هذه الأمة مقياسه مرتبط بالقرآن الكريم .. مقياسه مرتبط بكتابه - عز وجل - ليكون هذا الكتاب وهذا القرآن هو محور الحياة ، وجوهر التقويم والرفعة والضعة في هذه الأمة ، ولكي يُلغي حينئذٍ كل اعتبار من حسب أو نسب أو جاه أو مال أو قوة أو سلطان إلى غير ذلك مهما تنوع .. ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) .
ثم يجعل النبي – صلى الله عليه وسلم - خير الدنيا أو منزلة الدنيا العظيمة ومنزلة الآخرة العظيمة مرتبطٌ بكتاب الله - سبحانه وتعالى - . فها هو - عليه الصلاة والسلام - يقول : ( يقال لقارئ القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها من كتاب الله ) .

وهاهو – صلى الله عليه وسلم - يبيّن أن القرآن يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ، وهاهو من بعد يكشف لنا ما علمه لأصحابه فاتخذوه منهجاً ، فهذا عمر الفاروق - رضي الله عنه - يلتقي أمير مكة في موسم الحج فيقول : من خلفت على أهل مكة ؟ فيقول : خلفت عليهم ابن أبزى ،فيقول الفاروق - رضي الله عنه - : ومن ابن أبزى هذا ؟ فيقول :مولىً من موالينا ، فيقول :خلفت عليهم مولى من الموالي !! -كأنه ما استحسن صنيعه - فجاءه حينئذٍ أمير مكة بالمؤهلات العظيمة التي كانت لهذا الرجل حتى يُولي أمر الأمة ، ويكون مسؤولاً عن مصالحها نيابة عنه . قال : يا أمير المؤمنين إنه قارئٌ لكتاب الله " شهاداته العليا وخبراته العظمى مرتبطة بالقرآن الكريم حفظاً له ، وفهماً لمعانيه .. تدبراً في آياته .. تطبيقاً لأحكامه .. خوفاً من وعده وتعلقاً بوعيده " فينطق عمر - رضي الله عنه - بقول النبي – صلى الله عليه وسلم - يدّوي في سمع الزمان ، وينبّه الأمة إلى كل خلل أو نقص في هذا الميزان : أما إني سمعت رسولكم – صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين ) .
وهكذا نجد أن الربط بالقرآن في كل شيء . فأعظم وأجّل وأكبر مهمّة في الإسلام في أعظم فريضة من فرائضه بعد التوحيد وهي الصلاة ، جعل التقدم فيها والإمامة لها مرتبطٌ استحقاقها بكتاب الله - عز وجل - : ( يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله ؛ فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سلماً ؛ فإن كانوا في السِلم سواء فأقدمهم هجرة ؛ فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً ) .

انظر المراتب كيف تكون ؟ والمقاييس كيف تؤصل كما جاءت في سنة النبي – صلى الله عليه وسلم - .
ومن هنا قال أنس - رضي الله عنه -كما في صحيح ابن حبان : " كان الرجل منا إذا حفظ البقرة وآل عمران جدّ في أعيننا " . أي عظمت منزلته ، وارتفعت مكانته ، وصار يُشار إليه بالبنان ، وينظر إليه الناس نظرة التقدير والاحترام .
ومن هنا ورد في الموطأ أيضاً عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه حفظ البقرة في ثمان سنوات ، حفظ معرفة وتفسير وأحكام وفقه وتطبيق على ما كان من منهج السابقين ،كما قال عبد الرحمن السُلمي : " كان الذين يقرئوننا القرآن من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لا يتجاوزون بنا العشر من الآيات حتى نتعلم ما فيها من العلم والعمل فتعلمنا العلم والعمل جميعاً " .
هنا يظهر الفرق ، وهنا تتجسد الموازيين المختلفة التي تغيرت في حال الأمة عما كانت عليه في عهد الصحابة - رضوان الله عليهم - .

ويجعل النبي – صلى الله عليه وسلم - القرآن في صميم الحياة ، عندما يبيّن أن له قيمته الحقيقية الواقعية في كل شأن من شؤون الحياة ، ولعل مثلاً نضربه في شأن الحياة الاجتماعية وقع في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( أن امرأة جاءت تهب نفسها للنبي – صلى الله عليه وسلم- ليتزوجها ، ولم يكن له - عليه الصلاة والسلام - بها حاجة فسكت ،وبقيت المرأة واقفة ، وكان الموقف محرجاً ، فقال رجل : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ، فكان مخرجاً من هذا الموقف المحرج ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : التمس شيئاً - أي ليكون مهراً - فقال يا رسول الله : لا أجد شيئاً ، قال : التمس ولو خاتماً من حديد ، فذهب وقال : ولا أجد ولا خاتماً من حديد ، فقال - عليه الصلاة والسلام - بعد أن ولّى الرجل : ردّوه عليّ ، ثم قال له هل معك شيءٌ من القرآن ؟ قال : نعم معي سورة كذا وكذا ، قال : اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن ) .

وسعيد بن المسيّب -رحمه الله - إمام التابعين ، جاءه الخلفاء والأمراء واحداً إثر الآخر يخطبون ابنته ، فردهم ثم زوجّها لأبي وداعة ، تلميذ من تلاميذه .. قرآني سني من أهل العلم والإيمان .. من أهل الفقر في الدنيا ، ومن أهل الغنى في الآخرة . ردّ أولئك وقبل هذا ، بل هو الذي عرض عليه ابنته ثم أخذ بيدها حتى طرق عليه بابه قبل أن يستعد وقبل أن يُهيئ أمور الحياة الدنيا كما يقال ، ثم قال : "خذ زوجتك " .
لأنهم كانوا يعرفون المقياس الحقيقي ، بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان يربط الأمّة بالقرآن ، ويبيّن فضيلته ومزيته ؛ لتكون القلوب والعقول والأفئدة والأفكار والمناهج والموازيين مرتبطة به في كل شأن من شؤون الحياة يجعل ذلك النبي في أمر قد لا يتصوره الناس ويكون بعيداً عن أذهانهم في غالب الأحوال .

عندما انجلى غبار المعركة يوم أُحد ، وشرع النبي – صلى الله عليه وسلم - في دفن الشهداء ، وكانوا سبعين ، فكان ربما دفن الرجلين والثلاثة في قبرٍ واحد ، فكان إذا جاءوا بالشهداء يسأل عن أيهم أقرأ للقرآن ، فإذا علم به قدّمه قي لحده وفي دفنه إشارة إلى هذه المزية المستمرة إلى بعد الوفاة ، وإلى بعد انقطاع الحياة حينئذٍ كانت الأمة مرتبطة بالقرآن من خلال هذا المنهج النبوي الذي وضحه النبي – صلى الله عليه وسلم - حتى كان ارتباطهم به ارتباطاً وطيداً وثيقاً ، صورته لنا أحداث السيرة في حياته - عليه الصلاة والسلام - وجسدته مواقف كثيرة من بعد ذلك في حياة الأمة .
فهذا حديث النبي – صلى الله عليه وسلم - يذكر لنا أنه كان يعرف قدوم الأشعريين وهم قوم أبو موسى الأشعري من أهل اليمن بقوله : ( إني لأعلم قدوم الأشعريين - أي إلى المدينة - ومنازلهم بها ولما أرهم ، كانوا يُدوون بالقرآن كدوي النحل في الليل ) . فيعلم النبي – صلى الله عليه وسلم قدومهم .

وننتقل إلى القادسية لنرى سعداً وهو يبعث إلى الفاروق مبشراً بفتح القادسية كتاباً له : " ذهب فلان وفلان من الناس ممن لا تعلمهم والله بهم عالم ،كانوا يدوون بالقرآن بالليل كدوي النحل " وهم - أي في صفوف المعركة وفي وقت الجهاد - ما انشغلوا عنه ، بل كانوا يجدون أنه قوة عزيمتهم ، وأنه حياة قلوبهم ، وأنه بإذن الله - عز وجل - سبب نصرهم ، فكانت الرايات تُعقد وكان مع كل كتيبة قارئ إذا حمي الوطيس وجدّ الجد ، والتحمت الصفوف ، انطلقوا القراء بآيات الأنفال وآيات القرآن ، حتى إذا القلوب تشتعل وإذا النفوس ترتفع همتها وعزيمتها ، وإذا الشوق إلى الشهادة والثبات على دين الله - عز وجل - يكون هو الحكم والفيصل في مثل هذه المعارك الإيمانية الإسلامية .

وهكذا نجد أن صبغة الحياة الإسلامية في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم - محورها الأساس ، ونبعها الثرّ الذي لا ينضب ، وخطاها الذي يرجع إليه كل شيء ، ومقياسها الذي يحكم كل شيء هو القرآن الكريم ، فحينما نقول الرجوع إلى القرآن والسنة ؛ فإنما نريد أن نصوّر هذا المعنى كيف كان ، حتى إذا كان عمر -رضي الله عنه- يفعل فعلاً فيأتيه من يعترضه ، ويتلو عليه آية من القرآن ، يطأطئ رأسه ويُذعن ، وكان القرآن حكَماً في كل شيء ، وكان ميزاناً لكل شيء ، وكان محرِّكاً ومقدماً في كل شيء ، هكذا كانت الأمة ، وهكذا ينبغي أن تكون .
نسأل الله أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً ، وأن يجعلنا من أهل القرآن ، من الذين يتلونه حق تلاوته ، ومن الذين يتدبرون في معانيه ، ويعرفون تفسيره ، ويعملون بأحكامه .

الخطبة الثانية
وإن من أعظم التقوى الارتباط بالقرآن الكريم ، والنهل من نهله ، والانتفاع به ، والإكثار من الصلة الدائمة غير المنقطعة به ، تلاوة وحفظاً .. تدبراً وفهماً .. تطبيقاً وعملاً .. نشراً ودعوةً .. جهاداً في سبيل إعلاء كلمة الله ، ونشر آيات القرآن في كل مكان . فنسأل الله - عز وجل - ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

وإن الذي يتأمل أيها الأخوة تاريخ الأمة يرى أنها متى التفت حول كتابها مثل ذلك الالتفات الذي شرع نهجه وبيّن صورته وأوجد حقيقته رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنها حينئذٍ كانت في مواقع التقدم والريادة والقيادة ، وأنها متى تحللت عُرى ارتباطها بالقرآن ، ومتى لم يكن له عندها قيمة عظيمة كما ينبغي أن يكون ، ومتى كان شيئاً ليس له أثرٌ في واقع الحياة تقويماً أو حُكماً ، أو تأثيراً في النفوس والقلوب أو غير ذلك ؛ فإنها حينئذٍ تكون في أجلى صور ضعفها ، وأعظم صور ذلتها ، وأكثر صور تفرقها حزناً وألماً وهذا الذي ربما نشكو منه في واقع حالنا ، والقرآن حديثه لا ينتهي ، ووصفه عجيبٌ عجب ، وما ذكر الله - عز وجل - في القرآن عن القرآن هو أمر يستدعي منا أن نتنبه له ، وقد يعجب البعض ؛ هل نحن في حاجة إلى أن نعرف القرآن ؟ وأقول : نحن في أمسِّ الحاجة إلى أن نعرفه ، وأن نقدره قدره ، وأن نرى حقيقته فيما كان من سير أسلافنا - رضوان الله عليهم - ، ثم بعد ذلك ننظر ما الواجب على وجه الإجمال والتفصيل تجاه هذا القرآن الكريم ، ليتحقق لنا به العز والنصر والتمكين - بإذن الله سبحانه وتعالى - .

فالله الله في كتاب الله ، والله الله في الصلة بكتاب الله ، والله الله في تطبيق أحكام الله ، فقد كانت الآية واحدة تنزل من السماء فيها حكم الله ، فإذا بالأمة كلها عن بكرة أبيها تستجيب استجابة واحدة في لحظة دون تأخر ولا تلكأ ولا إبطاء ..كما ورد في حديث أنس في تحريم الخمر لما جاءوا بها ، فإذا هناك من مجّها ، وهناك من قذف ما في كأسه ، وهناك من كسر الدنانة ، وهناك ... ، ثم لم يأت الصباح حتى كان أمر الخمر قد انتهى من النفوس والقلوب قبل أن ينتهي من الأيدي والأفواه .
وكذلك لما قالت عائشة - رضي الله عنها - تثني على نساء الأنصار : " رحم الله نساء الأنصار لما نزلت آية الحجاب عمدن إلى مروطهن فشققنها ثم ائتزرن بنصفها ، واعتجرن بنصفها ، فما أصبح الصباح إلا وعلى أمثال رؤوسهن كالغربان مما أسدلن من الحجاب . هكذا تكون أمة الإسلام هي أمة القرآن .

نسأل الله - عز وجل - أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً ، ونسأله - سبحانه وتعالى - أن يحيي قلوبنا بالقرآن ، وأن ينير بصائرنا بالقرآن ، وأن يقوّم سلوكنا على منهج القرآن ، ونسأله - سبحانه وتعالى - أن يجعلنا ممن يحفظونه ويرتلونه ويتدبرونه ويفهمونه ويعملون به .



--------------------------------------------------------------------------------


هذا المقال من: إسلاميات
http://islameiat.com/doc

عنوان المقال
http://islameiat.com/doc/article.php?sid=263

Monday, July 5, 2010

في صحبة الأنبياء .. هود عليه السلام

كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق*
14/06/1431 الموافق 27/05/2010

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .. وبعد ..
فقد عشنا في الحلقة السابقة في صحبة نبي الله نوح ـ عليه السلام ـ ورأينا كيف أنه ظل يدعو قومه إلى الله سبحانه وتعالى قرابة عشرة قرون ، وهو صابر محتسب على كل ما يلقاه منهم من عناد وسخرية واستهزاء وتهديد ، وكيف انتهى الأمر بإغراقهم وتطهير الأرض منهم ومن أرجاسهم ؛ حتى عادت محرابا للمؤمنين معه كما كانت عند بداية خلق الإنسان عليها ..
وقُبِض نوح ـ عليه السلام ـ بعد أن أدى رسالته ، وترك الأرض عامرة بذريته وذرية من حمل معه في السفينة ، يعيشون في أرجائها ، ويأكلون من أرزاقها ، ويذكرون ربهم بالغدو والآصال ، ثم تباعد الزمن ، وتتابعت الذراري ، ومرة أخرى صار الشيطان يمارس عادته في إغوائهم ، وعام بعد عام وشهر بعد شهر ويوم بعد يوم بدأت ثمار إغوائه الخبيثة تظهر بين الناس ، وفي غفلة من المصلحين وتساهل من المربين ؛ حتى غدا الحال على ظهر الأرض شبيه بالحال التي سبقت مبعث نوح عليه السلام ، وظهر من الطغاة المفسدين جيل فاق في طغيانه جيل نوح عليه السلام ، وتمثل في قوم "عاد" الذين كانوا يسكنون في أرض "الأحقاف" جنوب شبه الجزيرة العربية، وفي شمال حضرموت.
وزاد من طغيان هذا الجيل ما أوتيه من قوة ، وما أفاض الله به عليه من نعم ، وما شيده من مبان عظام ، تلك المباني التي فاقت في عظمة تشييدها ما أقامه السابقون لهم ، وما سيقيمه اللاحقون بهم ، حتى قال عنها المولى سبحانه وتعالى : " الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ " [الفجر : 8] ..
وصاروا يرددون : " مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً " [فصلت : 15] " وهو المعنى الذي طالما ردده الجبابرة على مر العصور ..
وبعد أن وصلوا إلى تلك الحالة بعث الله عز وجل إليهم هودا ـ عليه السلام ـ ليعيد من بقي في قلبه بقية من خير إلى الجادة ، أما من تحجر قلبه ، فتقام عليه الحجة ثم تحق عليه سنة الله سبحانه وتعالى ، فجاءهم بهذا النداء الرقيق اللطيف : " يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " [الأعراف : 65] وهو النداء الذي نادى به كل نبي قومه..
ومع إنه نداء تنسجم معه أصحاب الفطر السليمة إلا أنهم قابلوه بالعناد والنكران واختلاق الأعاذير، ورموه بالتهم التي يُرمى بها كل نبي أو رسول أو داع أو مصلح ، فكان رده الطبيعي لذلك هو قوله : " إنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ " [هود : 50]..
وكما ذكرنا في اللقاء السابق أن كل تفكير المعاندين والعصاة يدور حول المال والأمور المادية ، وأنهم يحسبون أن النبي أو الرسول يهدف من دعوته التكسب أو على الأقل يمكن إسكاته بالإغراء المالي ، ولذلك أسرع هود ـ وكما فعل نوح ـ عليهما معا السلام ـ من قبل بقطع هذا الطريق عليهم ، وقال في معرض حديثه لهم : " يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي " [هود : 51] ..
وكان عليهم أن يتفكروا بعد هذا الرد في الأمر الذي جعله ينشغل بدعوتهم وإصلاحهم صباح مساء ، ويضحي بوقته وجهده الذي كان يمكن أن يكسب به المال الوفير في مجتمع طغت عليه المادة ، وأن يعلموا أنه كان يطلب من وراء دعوتهم ما عند الله عز وجل ، وأنه كان يَكِنّ لهم في قلبه حبا وشفقة وعطفا جعله يكد ويتعب لهدايتهم وإسعادهم ، ولكن ذلك لم يصدر منهم ، ولذلك قال لهم متهكما : " أفَلَا تَعْقِلُونَ " ..
وربما تصور قوم هود كما يتصور غيرهم أن في اتباعه مضيعة لعظمتهم وجاههم ، ولذلك حرص هود عليه السلام على أن يؤكد لهم خطأ هذا الظن ، وأعلمهم أن إيمانهم بالله سيكون فيه الخير لهم في الدنيا قبل الآخرة ، وسيضاعف لهم الرزق ، فقال " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ " [هود : 52]..
وقد يعجب الماديون أو العلمانيون من الربط بين الاستغفار وبين سعة الرزق والقوة ، ولا يدرون أن الاستغفار سبب في رضا الله سبحانه وتعالى الذي يتبعه هطول الأمطار لتحيا به الأرض الجرداء ، كما أن الاستغفار يجلب للنفس البشرية الطمأنينة والسكون وراحة البال ، فإذا ما آوت إلى فراشها نامت النوم العميق الذي يجلب لها القوة عند يقظتها ، فتعاود نشاطها وهمتها ، أما عدم الاستغفار فيجعل الإنسان قلقا مضطربا ، قلما يستطيع أن يأخذ حظه من النوم إن آوى إلى فراشه في ليله، فيصبح مرهقا متعبا ..
وهذه الأمور التي صارت من بدهيات العلم الحديث ربما كانت غائبة عن قوم هود ، فقالوا له : " يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ " .. فأتاهم ـ بوحي من الله ـ بالأدلة المقنعة على صدق ما قاله، ولكن تحجر عقولهم أبت عليهم أن يسمعوا له ، ويتعرفوا على أدلته ، وقالوا : "وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ " أي لن يصدقوا بتلك البراهين ، وأكدوا ذلك بقولهم : " وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ "...
وهذه الردود المتوالية التي تؤكد أنهم لن يفكروا في اتباعه لم تجعله ـ عليه السلام ـ يكف عن دعوتهم في كل ناد يقابل فيه جمعهم ، لأنه كلف بدعوتهم من الله سبحانه وتعالى ، ولا يمكن أن يكف عن تلك الدعوة إلا بأمر منه عز وجل ؛ مما جعلهم يلجئون إلى السخرية والاستهزاء به ورميه بالجنون ، وأن هذا الجنون أصابه بسبب تجرؤه على آلهتهم فقالوا : " إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ " وقد فسر هذا الاتهام في آية أخرى وهي قول الله عز وجل : " ..إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " [الأعراف : 66]..
وكان قصدهم من رميه بتلك التهمة أن يفت ذلك في عضده ، وتتزعزع نفسه من الداخل ، ولكن كان هذا محال معه ، وقد أعده الله سبحانه وتعالى ـ كما أعد سائر المرسلين ـ لمواجهة تلك المواقف ، ولذلك لم نره يُثار أو يُستفز عندما رموه بتلك التهمة ، وإنما بقي على حلمه ، ودافع عن نفسه بتؤدة قائلا :"يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف 67]..
وبعض الدعاة إذا توالت عليهم التهم الكاذبة انشغلوا بتفنيدها ، وتركوا عملهم ودعوتهم ، وجعلوا همهم فقط هو دفع التهم عن أنفسهم ، وبعضهم لا يبالون بما يثار عنهم ، ويتركون الشبهات تدور حولهم ؛ حتى يساء ظن الناس بهم ، ولكن هودا ـ عليه السلام ـ قام بنفي تهمة الجنون عنه ، كما رأينا في قوله : " يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.. ثم واصل دعوتهم إلى الله فقال : " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ " ..[الأعراف : 68]
وأريد أن أشير هنا إلى أن كفر قوم عاد لم يكن يعني أنهم ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى ، وإنما كان كفر جحود واستكبار على عبادته ، وإصرار على التجبر في الأرض والبطش والطغيان ؛ بدليل أنهم كانوا على معرفة تامة بما حدث لقوم نوح ـ عليه السلام ـ قبلهم ، وقد ذكرهم هود بذلك في قوله : " وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف : 68 ، 69] ..
كما أنهم كانوا على علم تام بوجود الملائكة المقربين ، واتخذوا معرفتهم طريقا للتحدي ، كما جاء في قول الله سبحانه وتعالى على لسانهم : " إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [فصلت : 14]..
وهذا يرشدنا إلى أن الطغاة البغاة الذين يسعون في الأرض فسادا ويزعمون إنهم يعرفون الله لا حظ لهم في الإيمان ، ولن يغني عنهم إقرارهم بوجود الله شيئا ما داموا لم يؤمنوا بآياته ويتبعوا أوامره ويلتزموا بأحكامه..
ثم توالت لقاءات هود ـ عليه السلام ـ بقومه وهو يدعوهم إلى ربهم ويقول : " إني لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ " [الشعراء : 107 - 109]
وأنوه هنا أيضا إلى أن هودا ـ عليه السلام ـ قد ركز في دعوته لقومه على محاربة المعاصي والآثام التي كانت متفشية فيهم ؛ تماما كالطبيب الذي يركز مع مريضه على معالجة المرض الذي ألم به فقط ، وهو ملم بكل الأمراض وعالجها ..
فلقد وقف ـ عليه السلام ـ يناقش قومه في أمر التعالي في البنيان الذي انشغلوا به عن الدار الآخرة فقال : " أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ ( قصورا ) لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ " .. [الشعراء : 128 ، 129]..
كما ناقش معهم قضية التجبر في الأرض والبطش بالضعفاء بعد أن نسوا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ، وقادر على الانتصار للضعفاء منهم ، وعلى سلب نعمة القوة والغنى والرفاهية التي وهبها لهم ، فقال : " وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ " [الشعراء : 130 - 134]..
وانتقل أمر قوم عاد بعد ذلك من طور الجدال والنقاش مع هود ـ عليه السلام ـ إلى طور التهديد الذي يلجأ إليه كل المعاندين على مر التاريخ ، وهو الأمر الذي يكون إيذانا بقرب حلول غضب الله عليهم ، فأعلنوا على الملأ تهديهم بقتله إن لم يكف عن دعوتهم ، ولكنه ـ عليه السلام ـ لم يعبأ بذلك ، وقال لهم متحديا : " فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ " وهو المعنى الذي ردده نوح ـ عليه السلام ـ من قبل حين وضُع في مثل موقفه ، حيث قال : " فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ " ..
ولم ينس ـ عليه السلام ـ أن يبين لهم السبب الذي من أجله هو غير عابئ بهم وبتهديداتهم وبجمعهم ؛ حتى لا يضطرب المؤمنون حوله ، فقال : " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " .. [هود : 56]..
هو متوكل على الله ، والله بيده نواصي العباد ، وبالتالي لن يصل لمن توكل عليه أي مكروه ، وفي نفس الوقت لن يستطيع أحد من هؤلاء ـ وهم جميعا ـ ناصيتهم بأمر الله عز وجل أن يفعلوا شيئا دون إرادته ..
استقر هذا المعنى في ذهن هود ـ عليه السلام ـ ويجب أن يستقر في ذهن كل داع إذا ما جوبه بمثل هذا التهديد ، وهذا المعنى ينبغي أن يرسخ أيضا في قلب كل مسلم متمسك بحبل الله ، وليعلم أنه إذا كان التهديد الذي صدر من عاد التي لم يُخلق مثلها في البلاد لم يؤثر في هود عليه السلام ، فكذلك كل تهديد يصدر عن غيرهم لن يضره في شيء مهما كانت قوة من يصدر عنه هذه التهديد إلا أن يشاء الله .
وبعد ذلك لم يقف ـ عليه السلام ـ طويلا عند أمر تهديهم لهم ، ولم ينشغل به ، وإنما كل ما شغله هو التفكير في مصيرهم إن بقوا على ضلالتهم ، حيث سيحل عليهم لا محالة سنة الله التي وعد بها العصاة ، وعليهم بعد ذلك أن يتحملوا نتيجة عنادهم ، فقال : " فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57).. [هود : 57]..
وإنه حتى هذا اللحظة ما زال يخاف عليهم ، فهم أهله وقومه ، فقال : " إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " [الشعراء : 135] ..
ولكن بعد هذا المشوار الدعوي الطويل معهم : " قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ " [الشعراء : 136 ، 138]..
ولا عجب أن يخرج من أفواههم هذا الرد ، فالنفس البشرية التي خلقها الله من طين إذا خالطها الشيطان المخلوق من نار كانت كقطعة الطوب النيء ( اللبنة ) إذا وضعت في النار صارت غير صالحة للإنبات ولا حتى لتشرب بالماء .
ومن شدة إغراء الشيطان لهم صاروا يُدفعون وتحت ضغط الغيظ منهم على تحديه بأن يطلب من ربه أن يحل بهم العذاب الذي وعدهم به إن هم لم يؤمنوا به فقالوا : " فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ".. [الأحقاف : 22]..
وهو كنبي مرسل مكلف فقط بأن يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى لا أن يطلب من الله أن يحل عليهم غضبه ؛ ولذا قال لهم : " إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ " [الأحقاف : 23]..
ولكن رده هذا لم ينفِ معرفته بالمآل الذي ينتظرهم ، ففي آية سورة الأعراف أنهم " قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فرد عليهم بقوله : " قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [الأعراف : 70 ، 71]..
ولم يطل هذا الانتظار الذي وعدهم به ، فما هي إلا أوقات معدودة حتى جاءهم وعد الله ، وإذا كان الناس قد تعارفوا على أن القوي يجابه بمثل قوته ، إلا أن إرادة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن يُباد هؤلاء بأضعف جنود الأرض ، فلم يسلط الله عليهم سوى ريح يلمسها الناس في معاشهم دون أن يجدوا لها خطرا ، وكل ما حصل هو مضاعفة سرعة تلك الريح لتخرج عن السنن الطبيعية ، يقول الله عز وجل : " وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ [فصلت : 14 - 16]...
ولما كان هؤلاء كما قلنا من قبل تقوم حياتهم على المقاييس المادية ، فقد احتقروا هذا السلاح الذي سيبادون به أولا عند مشاهدته ، وقالوا لهود ـ عليه السلام ـ الذي كان يتوعدهم : "هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا " يعني ليس فيه العذاب كما تتهددنا ، فكان رده عليهم : " بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ " [الأحقاف : 24]...
ومن لا يقابل نعمة الله التي تستوجب الشكر بالجحود والنكران لا بد أن يأتي عليه يوم ويقلب له الله سبحانه وتعالى تلك النعمة فيجعلها نقمة ، وهذا واضح للعيان في تلك الرياح التي اعتاد الناس أن يروا فيها المطر والخير ، إذ صارت " تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا " [الأحقاف : 25]..
ورغم أن هذا الوصف للريح كفيل ببث الرعب في قلوب من يسمع به إلا أن الله سبحانه وتعالى قدم لها أكثر من وصف ، وفي سور متعددة ؛ لتتحقق الغاية من ذكره ، ففي سورة أخرى : " مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ " [الذاريات : 42] وفي سورة ثالثة : " وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة : 6 - 8] وفي سورة رابعة : " إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر : 18 - 21]..
وقد جعلت تلك الريح من هؤلاء الذين كانوا يقولون : "من أشد منا قوة" جثثا ملقاة على الطرقات تبدو على عظمتها كجزوع النخيل بعد اجتثاثها ، يقول الله عز وجل : " فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ "[الحاقة : 7 ] ..
وهو منظر يوحي بعظم أجسادهم وقوتهم من جانب ، ومن جانب أخرى مدى ما لحق بهم ؛ ليقارن القارئ للآية الكريمة بين الحالتين ويتعظ منهما ..
وكم يزداد إيمان الإنسان بربه عندما يرى أنه في وسط هذا الهول الذي حل بمجيء تلك الريح السموم بقي هود ـ عليه السلام ـ ومن معه هادئين سالمين ، لم يمسهم أي كرب أو مكروه ، يقول الله عز وجل : "وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ " [هود : 58]..
وهذه الريح التي أتت على قوم عاد كلهم ، وتركت أجسادهم متناثرة في الطرقات والمنازل والمفاوز كانت كفيلة أن تدمر بنيانهم وتقتلع قصورهم ؛ ولكن الله سبحانه وتعالى أبقى منازلهم وما شيدوه كما هي لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى ، قد تكون من أجل أن تبقى ذكرى أمام مشاهد من تسول لهم أنفسهم التفاخر بقوتهم وعظمتهم ، ومن لا يعتبر فمصيرهم في انتظاره ، يقول الله سبحانه وتعالى : " فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ " [الأحقاف : 25]..
ولذلك جاء الخطاب لأهل مكة الذين كانوا لا يزالون على طغيانهم : " وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ " [الأحقاف : 26]..
ولو كان هذا الهلاك الذي لحق بهم هو عقاب طغيانهم لكفى ، ولكنه مقدمة لعذاب الهوان الدائم في الآخرة ، يقول الله سبحانه وتعالى : " وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ (60) [هود : 60]..
وبقي أن نقول في الختام : إن المنطقة التي كانوا يقطننها هؤلاء الجبابرة من قوم عاد صارت خرابا إلى الآن ، لا أنيس فيها ولا ديار ، ولا يرى فيها غير الرمال القاحلة، وهي المسماة بالربع الخالي ؛ لتكون شاهدة على مدى ما يحدثه شؤم المعصية ليس على من ارتكبوها فقط ، وإنما على الطبيعة من حولهم ، وعلى على البيئة التي كانوا يعيشون فيها ..
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة لنعيش في صحبة نبي آخر إن كان في العمر بقية ..
ـــــــــــــــــــــــــ
*مدير موقع التاريخ الالكتروني
المصدر : موقع التاريخ (عند النقل ذكر المصدر)

Saturday, July 3, 2010

د. عائض القرني

د. عائض القرني
أكتب هذه المقالة من باريس في رحلة علاج الركبتين وأخشى أن أتهم بميلي إلى الغرب وأنا أكتبُ عنهم شهادة حق وإنصاف ، والله إن غبار حذاء محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحبُ إليّ من أميركا وأوروبا مجتمِعَتين ولكن الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني ، يقول تعالى: « ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ».
وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة ، وتهذيب الطباع ، ولطف المشاعر ، وحفاوة اللقاء ، حسن التأدب مع الآخر ، أصوات هادئة ، حياة منظمة ، التزام بالمواعيد ، ترتيب في شؤون الحياة ، أما نحن العرب فقد سبقني ابن خلدون لوصفنا بالتوحش والغلظة ، وأنا أفخر بأني عربي؛ لأن القرآن عربي والنبي عربي ، ولولا أن الوحي هذّب أتباعه لبقينا في مراتع هبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . ولكننا لم نزل نحن العرب من الجفاء والقسوة بقدر ابتعادنا عن الشرع المطهر.
نحن مجتمع غلظة وفظاظة إلا من رحم الله ، فبعض المشايخ وطلبة العلم وأنا منهم جفاة في الخُلُق ، وتصحّر في النفوس ، حتى إن بعض العلماء إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر ، الجندي يمارس عمله بقسوة ويختال ببدلته على الناس ، من الأزواج زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور على زوجته وخارج البيت نعامة فتخاء ، من الزوجات زوجة عقرب تلدغ وحيّة تسعى ، من المسئولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود بن كنعان كِبراً وخيلاء حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الجميل له ، وإذا جلس معهم أدى ذلك تفضلاً وتكرماً منه ، الشرطي صاحب عبارات مؤذية ، الأستاذ جافٍ مع طلابه ، فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن الخُلُق وبحاجة لمؤسسة لتخريج مسئولين يحملون الرقة والرحمة والتواضع ، وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللياقة مع الناس ، وبحاجة لكلية لتعليم الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية.
المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا . في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة ، من حزن وكِبر وطفشٍ وزهق ونزق وقلق ، ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة ، لذلك تجد في غالب سياراتنا عُصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع الآخرين ، وهذا الحكم وافقني عليه من رافقني من الدعاة ، وكلما قلت: ما السبب ؟
قالوا: الحضارة ترقق الطباع ، نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن في سيارتنا فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك الطريق وأنت جالس في سيارتك ، نمشي في الشارع والأمطار تهطل علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا ، نزدحم عند دخول الفندق أو المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف ، أجد كثيراً من الأحاديث النبوية تُطبَّق هنا ، احترام متبادل ، عبارات راقية ، أساليب حضارية في التعامل.
بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا ، أين منهج القرآن: « وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن » ، « وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما » ، « فاصفح الصفح الجميل » ، « ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور ، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير » . وفي الحديث: « الراحمون يرحمهم الرحمن » ، و « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده » ، و « لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا » . عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف ، يقول عالم هندي: ( المرعى أخضر ولكن العنز مريضة ) .