Tuesday, October 12, 2010

التسلح النووي.. مشكلة مركزية

من بين كل مصادر الوهم الاستراتيجي والخداع السياسي اليوم، تشكل الأسلحة النووية بلا شك أكبر مساهمة في النفاق والإنفاق عديم الجدوى. والأكيد أن ذلك ينطبق بشكل خاص على بريطانيا التي تستعد لاتخاذ قرارات مهمة جداً بشأن إنفاقها العسكري هذا الأسبوع، وإن كان من المتوقع أن تتجنب اتخاذ قرار بشأن إنفاقها العسكري الجديد عبر إرجاء استبدال برنامجها «ترايدنت» للردع النووي إلى ما بعد الانتخابات العامة المقبلة. وإذا ما تم ذلك بالفعل، فهو قرار حكيم. غير أن قيمة «ترايدنت» الوحيدة بالنسبة لبريطانيا رمزية في المقام الأول، لأنه يبرر نظرياً مكانتها كعضو نووي في مجلس الأمن الدولي، يتمتع بحق الفيتو. ثم إن صواريخ «ترايدنت» توجد تحت سيطرة البحرية الأميركية منذ سنوات عدة؛ وهي غير ضرورية بالنسبة لهجوم نووي أميركي على أحد الخصوم، مثلما كان عليه الحال خلال فترة الحرب الباردة. أما قيمته بالنسبة لبريطانيا، فسياسية بالدرجة الأولى، وبالتالي فهي لا تحمل أي وجه شبه مع الرادع النووي الفرنسي الذي هو من صنع فرنسي بالكامل ويوجد تحت السيطرة الفرنسية، ويمكن استعماله ضد أي أحد يرغب الفرنسيون في مهاجمته. ونظراً لكونه عبارة عن نظام غواصات، فهو يوفر قدرة الردع للضربة الثانية: ذلك أنه غير قابل للتدمير من أول ضربة من قبل العدو، ويستطيع أن يردع بعد ذلك.كيفية إنفاق بريطانيا أموالها العسكرية، أمر يستأثر باهتمام أميركي ملح لأسباب غير نووية بالكامل، ذلك أن أعداداً كبيرة من القوات البرية تعني تقليصاً للإنفاق على «القوات الجوية الملكية» و»البحرية الملكية» في المناخ الدولي الحالي الذي يتميز بتقلص الموارد والتقشف الحكومي. وفي هذا السياق، يمارس البنتاجون كل الضغوط التي لديه على لندن حتى تحافظ على عديد القوات البرية البريطانية مرتفعاً، على اعتبار أن هذه الأخيرة تظل القوات الأجنبية الوحيدة التي يحتمل أن تظل تحت تصرف أميركا، في ما يبدو أن إدارة أوباما قد باتت مقتنعة بأنها «الحرب الطويلة التي نخوضها خلال ما تبقى من حياتنا، وحياة أبنائنا ربما»، حسب تصريح أدلى به مؤخرا الجنرال بترايوس. لذلك، فواشنطن حريصة على أن تستمر لندن في المساهمة بالجنود، رغم أن الجمهور البريطاني بدأ يشكك في أهداف هذه «الحرب الطويلة» وآفاقها. وعلى الطرف الآخر من الطيف، تعد إيران المكان حيث يهيمن سلاح نووي غير موجود على منطقة. فالمسؤولون الأميركيون والإسرائيليون، و»خبراء» مراكز البحوث، والمحللون الاستراتيجيون، يقولون لنا إنه يجب منع إيران من امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي. وهذا يفترض أن يضع إسرائيل، والمنطقة برمتها، تحت رحمة «الملالي». لكن الحقيقة هي أن «الملالي» هم الذين تحت رحمة إسرائيل التي تملك أكبر ترسانة نووية في العالم ربما، خارج مجموعة «القوى العظمى» الحالية. لكن ما معنى «قوة نووية كبيرة»؟ إنها دولة تمتلك قوة ذات مصداقية لضربة ثانية. وبهذا المعنى، فإيران لن تتحول إلى قوة عظمى، بينما تعد إسرائيل قوة نووية كبيرة منذ وقت طويل.إن إسرائيل قلقة من سلاح نووي إيراني بسبب التأثيرات السياسية والنفسية على مكانة الدول في الشرق الأوسط؛ وذلك لأن امتلاك سلاح نووي لن يشجع إيران على مهاجمة إسرائيل أو أي بلد آخر، وإنما من شأنه أن يغير بشكل كبير المناخ السياسي الإقليمي في حال أصبحت إيران دولة نووية.غير أنه في تلك الحال، ستتعرض قوة الولايات المتحدة «غير الحركية» (مثلما بات يحلو للبنتاجون اليوم أن يصف وسائل القوة التي لا تصدر صوت انفجار) لأكبر ضربة، لأنها استثمرت الكثير من قوتها غير الحركية في التشديد على ضرورة ألا تمتلك إيران سلاحاً نووياً لدرجة أنها ستتعرض لإذلال كبير في حال حدث ذلك، وربما ستعاني أكثر من مجرد الإذلال، على اعتبار أن إيران تمتلك كذلك رادعاً غير نووي ضد أي هجوم عسكري من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل: إنه قدرتها على إلحاق خسائر عسكرية بالقوات الأميركية في العراق، والقوات البحرية في الخليج العربي، حيث يمكن أن تعرقل حركة الملاحة البحرية في الخليج، فتتسبب في قطع جزء مهم من إمدادات النفط الأميركية والغربية لفترة معتبرة. ولهذا، فإن البنتاجون حريص على كبح جماح إسرائيل ومنعها من مهاجمة إيران؛ لأنه في حال قامت بذلك، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيدفعون الكلفة. لكن هذه الإمكانية تشكل أيضاً ابتزازاً إسرائيلياً ضمنياً للولايات المتحدة: «افعلي ما نريد، وإلا فإننا سنستفز إيران لتقوم بهجوم كارثي على المصالح الأميركية عبر المنطقة».والواقع أن المصلحة الأميركية كانت ستُخدم على نحو أفضل، عقب الحرب العراقية الإيرانية عبر غض الطرف عن جهود إيران لامتلاك «طاقة نووية سلمية»، وعن سعي صدام لردع إيران. أما مواجهة كليهما، فقد جلبت لواشنطن مشاكل ومتاعب، وربما فشلاً مزدوجاً في نهاية المطاف.
ويليام فاف (كاتب ومحلل سياسي) «تريبيون ميديا سيرفس» والاتحاد الاماراتية

No comments:

Post a Comment