Tuesday, October 26, 2010

ظواهر اجتماعية مرضيـة

حينما يكون الإنسان متوازنا نفسيا، فان مكونات نفسيته تتصف بالثقة بالذات، والقدرة وقوة الإرادة في الاختيار واخذ القرار وتحمل مسؤولياته بكل رضى وقناعة، وفي حال اضطراب
الثقة بالنفس،يختل ويتشتت الكيان الوجودي للفرد فيشعر بالضياع والحيرة من أمره فتطرب إمكانيات الخيار واتخاذ القرار، وفي هذه الحالة فان الإنسان يعيش في حالة ما يعرف بضعف الهوية النفسية فان أراد اختيار شيئا مثلا للشراء فهو يركن إلى اتجاه الآخرين، فحينما يرى اصطفافا (طابورا) أمام محل ما تجاري لا يتوانى عن الانضمام إليهم لان هذا الطابور يشكل له مركز(الثقة) في الاختيار فيشعر بالطمأنينة النفسية، انه ينضم إليهم بدوافع المجموعة المصطفة (الكتلة) بغض النظر عن ماهية السلعة فسلوكه على الانضمام خارج عن إرادته إلى حد ما لا مجال لغيره ، ففي حال تنحيه عن ذلك يتفاقم القلق والشعور بالعجز لديه فيزداد اضطرابه الوجودي بفقدانه القدرة الذاتية للانتقاء ولذلك سرعان ما نجده ينضم إلى ما يعرف بالطابور، فهو يختار محلات الشراء بمفهوم الكتل لا بقدراته الخاصة فهو فاقد ابسط مكنونات النفس البشرية « القدرة على الاختيار» بالبحث ، والتقصي ، والتفكير، ثم الانتقاء فتتشتت الهوية النفسية وفي هكذا سلوك يتهرب من تكليف ذاته النفسية بتفعيل إمكانياته الذهنية ، ويتحمل أعباء هذا الاصطفاف تحت وطأة الحرارة والبرد والتعب والوقت للحصول على سلعته،.... انه الهروب من تكليف الذات للبحث والمثابرة وهيمنة نزعة الخلود إلى إزالة التوتر من خلال انضمامه لمجموعة من الناس، ومن هنا تنشأ الأمثال الشعبية المتخلفة أيضا « حط راسك بين الرووس وقول يا قطاع الروس» « والموت مع الجماعة رحمة» .... الخ .وفي هذه الوضعية يستغل أصحاب المحلات التجارية هذه الظاهرة بالتقصد بالتضييق على المصطفين بإطالتهم لأوقات طويلة ، والتحكم بهم بالتزام الطابور ، وفي ذلك استقطاب لأعداد اكبر من المستهلكين، فالتاجر في هذه الحالة يكرس كل نزعات الجشع والطمع من خلال سلوكيات الآخرين ويعزز ذلك السلوك المزيد من الشعور بنشوة نزعاته غير السوية التي توهم الناس في اغلب الأحيان انه يمتلك سلعة متميزة ومتقنة, إنها الانتهازية السلوكية . أما الظاهرة الأخرى: فهي ظاهرة التجمهر والتجمع وعرقلة السير حين تعطل آلية أو حادث مهما كانت حدته فيعود تحليلها النفسي إلى ما يعرف بآلية ( النكوص) وهي من وسائل الدفاعات النفسية الأولية لدى الإنسان التي يعمل من خلالها العقل الباطن ( عالم الخيال واللاوعي) والناجمة عن قلق وتوتر يعيشه الإنسان يصرف من خلال سلوك نكوصي إلى مرحلة أدنى من عمره ( مرحلة الطفولة أو المرهقة) والتي تمتاز بالتطفل، وشغف الاستطلاع ، والاستكشاف، وان كان على حساب تعطيل مصلحة الآخرين لان في النكوص (آنوية) إذ تتميز هذه المرحلة العمرية بالأنانية المفرطة، ولذلك ليس من الغريب أن يعرقل هؤلاء السير غير آبهين بغيرهم وبمشاعرهم، وحاجاتهم، ومهامهم .واما ظاهرة انتشار المشعوذين اللذين لا يتقاضون أجورا علاجية، فذلك يعود إلى إشباع الشعور( بالدونية) التي يعانيها المشعوذ فهو من خلال ممارسة طقوس الشعوذة بدون أجور يريد بآليه ( من خلال عالم اللاوعي) أن يرفع من شأن ذاته الدونية ليحصل بذلك على مكانة اجتماعية ودينيه مرموقة ، انه يريد أن يعلي من شأن نفسه من خلال طقوس الشعوذة. فان اللعب على الوتر الديني للناس هو الذي يوصله لهذا الهدف وبهذه الحالة يشعر بالحظوه والتكريم والتبجيل الديني ورفعة المكانة الاجتماعية التي يتربع عليها، أن مطيته في هذه الحالة الطقوس الشعوذية، والألقاب الدينية، ونظرة الرهبة والهيبة والاحترام له من قبل مرتاديه. فوراء كل هذه الظواهر الاجتماعية غير السوية اعتلال نفسي متأزم يعاني منه إنسان هذا المجتمع وان أفضل سبل الحد أو التطفيف منه هو حسن البصيرة
للدوافع النفسية التي تركل به لهذا الاضطراب السلوكي.

استشاري الامراض العصبية والنفسية



د. محمد عبد الكريم الشوبكي

www.dralshobaki.com

منقول عن الرأي الأردنية

No comments:

Post a Comment