Tuesday, August 24, 2010

الوظائف العليا في الدولة!

موسى العدوان


تشير الأدبيات الإدارية إلى حاجة الموظف لمؤهلات معينة ، تتناسب مع طبيعة الوظيفة التي يشغلها . وتلك المؤهلات يمكن الحصول عليها كما هو معروف من خلال الدراسة الجامعية ، أو من خلال دورات تخصصية تغذي الموظف بالمعلومات الضرورية ، لأداء عمله المستقبلي على الوجه الأكمل .

ولوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب كما تدعي حكوماتنا الرشيدة ، فقد شُكلت في وقت سابق لجنة خاصة لاختيار موظفي الدرجات العليا في الدولة . ولكن اللجنة المذكورة أصبحت فيما بعد ديكورا تتغنى به الحكومة عندما تتحدث عن العدالة والشفافية في عملية التوظيف الصورية .

وفي حقيقة الأمر فإن اللجنة حُيدت ولم يُسمح لها بممارسة واجباتها حسب الأصول ، واستمرت العملية الانتقائية في التوظيف من قبل أصحاب القرار الحكومي ، بالاعتماد على المعارف والمحاسيب والمستوردين من شركة دبي كابتال من كلا الجنسين .

وبعيدا عن التنظير أو الرجم بالغيب ، دعونا نعود إلى منتصف عَقد التسعينات من القرن الماضي لنكتشف أن حكوماتنا المتعاقبة ، انتهجت منذ ذلك الحين أسلوبا جديدا إضافة إلى أساليبها القديمة في انتقاء موظفي الدرجات العليا وخاصة توظيف الوزراء . وهذا الأسلوب الجديد الذي يتبعه عادة الرئيس المكلف ، لا يخضع لمعايير منطقية ولا يعتمد الكفاءة وحسن السيرة والأمانة ، بل إنه يعتمد معادلة مبتكرة ملخصها " رضا أمريكا وإسرائيل " .

لا أتهم السادة الذين خضعوا لهذه التجربة بما ينتقص من وطنيتهم أو كفاءتهم ، لأنهم قد يكونوا انصاعوا للعمل راغبين أو مكرهين باعتباره أحد متطلبات الوظيفة الرسمية . ولكنني بالمقابل أوجه اللوم لمتخذي القرار في الحكومات المتعاقبة ، والذين لا يحترمون مشاعر الآخرين عندما يمنحون أولئك الموظفين ، تمييزا خاصا يختلف عن أقرانهم في مواقع أخرى ، بعد إقحامهم في مواقف محرجة تحرق أوراقهم وتسيء إليهم . وبناء عليه فإن نقدي موجه لأسلوب العمل المتبع في هذا المجال أكثر منه لأشخاص أكن لهم كل المودة والتقدير .

ففي الجانب السياسي نتذكر شخصين سياسيين شاركا في محادثات " السلام المزعوم " مع إسرائيل شكلا حكومتين على التوالي . وقد بشّرنا الأول منهما في حينه بأننا دفنا الوطن البديل إلى الأبد . وتبين لنا الآن أن الوطن البديل لم يدفن بل أنه حي يرزق ويسعى إلى التمدد شرقي النهر ، بتنسيق مع العملاء الظاهرين والمستترين ، لإحياء مشروع قديم برزت ملامحه بصورة رسمية قبل أيام معدودة . أما الثاني فقد أقنعنا بقرب قطف ثمار السلام القادم إلينا من المجهول ، ليتبين لنا هذه الأيام بأن السلام الموعود ما هو إلا حلم رأيناه في المنام .

بعد ذلك كوفئ أول سفير لنا في إسرائيل بتعيينه وزيرا للإعلام ، ثم وزيرا للخارجية ونائبا لرئيس الوزراء . تبعه سفير آخر في نفس الموقع عُين بعد نهاية ولايته رئيسا للحكومة ، فأهدى الشعب الأردني مشروع ناد للقمار كبّلنا بقيود اقتصادية احتكمت إلى قوانين أجنبية ، ورهنت مصير موازنتنا بيد أحد المستثمرين الأجانب لخمسين سنة قادمة . ومتابعة لمسلسل التوظيف سالف الذكر ، فقد عُين مؤخرا سفيرنا الذي أمضى فترة قصيرة لدى البلاط الإسرائيلي ، وزير دولة لشؤون الإعلام في حكومة الرفاعي الحالية تمهيدا لنقلة لاحقة في قادم الأيام .

وبمناسبة الحديث عن قرب تعيين سفير جديد في تل أبيب ، فإنني أتوجه إلى صاحب الحظ السعيد ــ والذي لا يزال مجهولا ــ بالتهنئة الخالصة ليس على منصبه الجديد فحسب ، بل بمنصب الوزير أو رئيس الوزراء الذي ينتظره في حكومة قادمة بعد بضع سنوات ، إذا أتقن اللعبة المطلوبة مع الأصدقاء . . !

وعند مقارنة هذا الوضع مع وضع الطرف المقابل ، نجد أن روبنشتاين رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض لمحادثات السلام في بداية عَقد التسعينات من القرن الماضي ، بقي يحمل حقيبته الخاصة ــ حقيبة المحامي ــ ولم نسمع أنه حمل حقيبة وزارية أو ترأس حكومة إسرائيلية ، مكافأة على جهوده المضنية في تلك المحادثات مع الوفود العربية .

وفي هذا السياق تحضرني القصة الشخصية التالية والتي أوردُها ليس من باب المزايدة على الآخرين ، وإنما من باب إبراز الحقيقة لا سيما وأن شاهدها مازال على قيد الحياة مع تمنياتي له بطول العمر . ففي عام 2001 اقترح عليّ صديقي الشاهد مرافقته إلى تل أبيب لقضاء مصلحة تجارية له هناك ، فرفضت العرض فورا وبدون تردد .

سألني الصديق عن سبب الرفض طالما أنني تحررت من القيود العسكرية ، وسنستقل سيارة مريحة في هذه الرحلة ، وسننزل في فندق من أعلى الدرجات . فأجبته بأن شيئا من ذلك لم يخطر لي ببال ، وإن ما وقف حائلا بيني وبين هذه الرحلة القصيرة هو الآتي : لقد أمضيت ما يزيد عن سبعة وثلاثين عاما في الخدمة العسكرية ، وأنا أردد على مسامع ضباطي وجنودي في المحاضرات والتمارين والعمليات العسكرية عبارة " العدو الإسرائيلي " . وبعد كل هذا الزمن الذي عشته حاملا في وجداني تلك القناعة ، أجد الآن صعوبة كبيرة في كسر هذا الحاجز النفسي ، والعبور سائحا إلى إسرائيل رغم توقيع معاهدة وادي عربه ، والعلاقات الحميمة التي تربط بين الدولتين على المستوى الرسمي . وتمترستُ خلف رفضي بعدم تلبية رغبة الصديق في ذلك الحين ، وما زلت عند موقفي حتى الآن .

ويحق لنا الآن أن نتساءل : هل تعتقد حكوماتنا الموقرة ، أننا شعب مغفل لا نعرف ما يجري حولنا على الساحة الأردنية ؟ أو أننا فاقدو الذاكرة ولا نختزن في عقولنا ما واجهنا من قضايا الوطن في الماضي القريب على الأقل ؟ فإذا كانت الحكومات تعتقد ذلك فهي واهمة ، ونطمئنها بأن ذاكرتنا تحفظ الخطايا الوطنية لعقود طويلة ، ولكنها تبرزها عند تدعو الحاجة إليها .

وفي هذا المقام يخطر ببالي ما صرح به الجنرال أيزنهاور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف عَقد الخمسينات الماضي ، عندما وصف السياسات الحكومية بالعبارات التالية : " إن السياسات الطيبة ليست ضمانا أكيدا للنجاح . . ولكن السياسات السيئة هي ضمان محقق للفشل " . فأين تقف حكوماتنا من هذا القول الحكيم ؟

لقد صمتنا طويلا وتغاضينا عن كل المسرحيات السياسية التي استغبتنا وجرى تمثيلها أمام عيوننا ، ولم نعترض آنذاك حرصا على مصلحة الوطن . ولكن بعد أن ظهرت الحقائق وانكشف المستور ، وخاصة ما ظهر رسميا في وثيقة ( فتح ــ واشنطن ) قبل أيام ، والتي هدفت إلى إقامة وطن بديل على أنقاض الأردن عام 1970 ، فإننا نقول لحكوماتنا التائهة بصوت مرتفع وبعبارات واضحة : إن زمن الصمت الذي نعمتم ردحا من الزمن قد ولى إلى غير رجعة . . وحان الآن وقت الكلام . . فلا سكوت بعد اليوم على من يريد السوء بهذا الوطن المقدس وقيادته الحكيمة ، ولو كره المتآمرون . . !



adwanjo@hotmail.com

No comments:

Post a Comment