Tuesday, August 24, 2010

لن نقبل ضربة الغدر بخشوع

خالد الكساسبه


ادت سطوة (اللغة ) على الافكار في مقالة (الاردن كبير عليك ) الى اعتقاد الكثيرين اننا حصرنا هدف الحراك الشعبي باسقاط سمير الرفاعي ، رغم انني قلت في المقال وبوضوح : ان اسقاط سمير هو استحقاق اولي وضروري لانجاز ما يجب ان يتبعه من استحقاقات اخرى، وهي كثيرة، ولن يتم انجازها بدون اسقاطه .

ان اكبر عدو للحراك الوطني ، القائم حاليا في الاردن ، هو الانجرار الى الخلافات الشخصية التي يجب علينا جميعا ان ننحيها جانبا من اجل اردننا الحبيب ولذا لن اخوض في تفاصيلها وحيثياتها ،اما ثاني الاعداء فهو السماح للاحباط ان ينغل في صدورنا لان حراكنا اليوم هو فرصتنا الاخيرة للتغيير ولا مكان فيه للاحباط .

خلال الاشهر الثلاثة الماضية جرت في الاردن معركة افتراضية بين طرفين: الاول ايد بيان العسكر، والثاني وقف ضده وهاجمه ، واستطيع ان ادعي كاحد افراد الطرف الاول ، اننا انتصرنا في هذه المعركة - رغم التعتيم الذي مورس على بياننا داخل الاردن - باستثناء موقع كل الاردن ،على عدم التوطين على الورق لكنه حتى الان لم يتم الحسم على ارض الواقع ،هذا يدفعنا الى القول ان حسم هذه المعركة على الارض سيكون اهم اهداف الحراك الشعبي .

ورغم ان العسكر طالبوا في بيانهم بالالتزام بالدستور الا انني اضيف لذلك انه من الواجب ايضا اجراء تعديلات على الدستور تؤدي الى اصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي ، وكلمة اصلاح كلمة مطاطة جدا ، في علم السياسة تعني التغيير الجذري في شكل الحكم ، وفي دهاليزها تعني التلاعب في الكلمات وتغيير الخطابات من اجل الأيحاء بقدومها اي الاصلاحات ، ولهذا فان الاوراق التي سيقدمها المتقاعدون خلال الاسابيع القليلة ستتضمن تفاصيل هذ الاصلاحات. وهنا لا اريد ان اخوض مبكرا في هذا الامر بانتظار ما ستحتوي عليه اوراق المتقاعدين وهي كما اخبرني العميد على الحباشنة رئيس اللجنة الوطنية قبل ايام لن تكون اوراقا نهائية ولكنها ستطرح للنقاش ويتم غربلتها قبل تقديمها خلال المؤتمر الوطني الذي اقترح اقامته اما في بلدة الكرامة احياء لارواح شهداء الكرامة الذين سعى البعض لسرقة النصر منهم واما في بلدة ام قيس كتحية لمؤتمري ام قيس او في الكرك بمناسبة الذكرى المئوية للهية واي كان المكان فهو ليس الاهم في المسألة بمقدار ما يهمنا ما سيتم الاتفاق عليه خلال المؤتمر .

ان عدتم لبيان الاول من ايار فانه تضمن بشكل صريح اسقاط الرفاعي ، يقول البيان ( ينبغي تشكيل الحكومات بالطبع على اساس يمثل الشعب الاردني وليس مراكز النفوذ والعائلات الحاكمة ورجال الاعمال) وفي موضع اخر يقول البيان ( ان الحاجة ملحة لقيام حكومة وطنية قادرة على الدفاع عن البلاد ومكافحة الفساد ومصادرة اموال الفاسدين واستعادة الملكية العامة لمؤسسات الوطن) .

لا يمكن الالتزام بالدستور وتعديل مواده أو دسترة قرار فك الارتباط و اعادة الاعتبار للهوية الوطنية واحلال دولة القانون في وجود حكومة (وراثية ) (ضعيفة) (معينة) و (مستفيدة) من ابقاء الوضع على ما هو عليه، لذا فان اسقاط سمير والمجيء بحكومة وطنية لن يكون هو نهاية الحراك الوطني بل على العكس سيكون بداية فعلية له تحوله من عالم النظريات التي صيغت على الورق الى بنود دستورية و قوانين تحمي الاردن وتحافظ على هويته وعلى ثرواته ومؤسساته .

ان اسقاط سمير يعبر عن رسالة احتجاجية على عودة الرفاعيين للحكم بعد ابعادهم عن الشاشة لعشرين عاما ،وهنا طبعا لم انس ان ( زيدا) كان رئيسا لمجلس الاعيان على مدى الثلاثة عشر عاما التي سبقت مجئ ولده. ولكن في العرف الاردني فان مجلس الاعيان هو مجلس صوري يمثل الملك في البرلمان، وهو الكابح الذي يستخدمه النظام في اجهاض قوانين مجلس النواب بدون اللجوء لحل مجلس النواب عقب اصداره اي قانون لا يرغب به ، وبالتالي فهو منصب شرفي لا يبيح لصاحبه اي سلطات ولكن منصب رئيس الحكومة شئ مختلف .
من غير العدالة ان نحمل كل ما يجري في الاردن اليوم الى سمير الرفاعي وانا لم احمل المسؤولية في الخراب الذي يعم بلدنا له فقط ، ومن يقرأ بين السطور في مقال (الاردن كبير عليك) يعرف ماذا اعني ، ولكنني وقفت ضد حكومته منذ اليوم الاول لمجيئها ولم انتظر ادائها ، وهو اداء غير مهني ناهيك عن انه غير وطني ،وقفت ضد الحكومة ال (سميرية) ال (وراثية) لعدة اسباب :
اولا: ان المجئ بسمير منذ البداية شكل صدمة لدى الاردنيين ورأى فيه الاردنيون عبثاً في ارادتهم الحرة التي اسقطت جده قبل خمس وخمسين عاما ووالده قبل واحد وعشرين عاما بشكل توصلوا فيه لقناعة ان استجابة الحكم لمطالبهم ما هو الا استراتيجية تهدف لتنفيس غضبهم وليس لقناعة بمطالبهم ولهذا فان اسقاطه يعبر عن احتجاج شعبي على اختياره بالاساس .
ثانيا : سمير يمثل اقصى حالات التوريث السياسي فهو ليس فقط ابن رئيس وزراء اسبق (زيد الرفاعي) وانما حفيد لرئيسي وزراء اسبقين (سمير الرفاعي وبهجت التلهوني) ،بحسب العقد الذي تم ابرامه بين الشعب والملك عبدالله وهو العقد الذي تمت دسترته في قانون 1952 فان نظام الحكم وراثي وهو وان اعطى الملك سلطة اختيار رئيس الوزراء الا ان استمرار توزير ابن الوزير وترئيس ابن الرئيس ليصبغ الاردن بالارتماء في حضن طبقة قليلة حاكمة تخلق اليأس والاحباط داخل المواطن ولا يحفزه على الابداع ، وقد اثار تعليق احد القراء على مقالي الاخير تعاطفي وألمي عندما قال : لا يهمني من يكون رئيسا للوزراء ،يهمني ان لا ابقى عاطلا عن العمل " ، اي ان سياسة التجويع والتهميش والتوريث ادت غرضها بالهاء المواطن عن حقوقه الكبرى والالتفات ،وانا اعذره ، الى حقوقه الصغرى .
ثالثا :تاريخ العائلة الرفاعية ونهجها كان دوما يتجه بعكس مصالح الشعب الاردني ، والاتكاء على كلاشيه الولاء للنظام لا يسوغ عدم الالتفات للشعب وقد عبر سمير بلسانه عن هذه المسألة قبل اسابيع عندما قال (اننا لا نبحث عن شعبية) في انتقاص للشعب .
رابعا : لا يملك سمير اي خبرات سياسية او علاقات دولية فالدراسة في هارفارد وادارة شركة خاصة لا يكفي لقيادة حكومة بلد امامه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة. وقد اثبت اداء الرفاعي المتخبط خلال تسلمه الحكومة صحة ما اقول .

ان حكومتنا (التويترية ) ولا اعتراض لدي على فتح الوزراء حسابات في (تويتر) فانا ايضا لدي حساب هناك وحساب في ال (فيس بوك )ولكن اعتراضي على (التوترة ) و ا(لتتويت ) ينبع من امرين هو اقتصار الحساب على تويتر بشكل اصبح فيه (تويتر) كانه موقع طبقي للفئة البرجوازية الحاكمة والثاني ان تخاطب رئيس حكومة بلد لغته الرسمية العربية و وزرائه لا يتم الا باللغة الانجليزية ، في احتقار واضح للشعب .

لقد كبر الاردن وكبر الاردني واتسع وعي الاردنيين ولن يرتضوا بعد اليوم ان( يتلقوا ضربة الغدر في خشوع) ولن يكونوا بعد اليوم مثل (المسيح) يديرون خدهم الايمن لمن يضربهم على خدهم الايسر ،فزمن الانبياء ولى، والعاصفة تجرف القديسيين، والامواج تجر من لا يقف امامها قويا ، الاردني اليوم سيصلي عشقا للاردن بلا خوف من ( ابولؤلؤة مجوسي) يطعنه من الخلف، لانه يؤمن بان الضربة التي لا تكسر الظهر تقويه .

اهم ما في حراك اليوم انه قضى على الخوف داخل الاردنيين ولفت انظارهم للوضع المزري الذين يعيشون فيه و(سفينة )التغيير مضت في عرض البحر لن يستطيع (القبطان) ايقافها لان من يديرون دواليبها ومن يزودونها بالوقود اصبحوا بالألاف وان حاولتم اغراقها فان مجذفي قوارب النجاة لن يخشون الغرق .

لن نقف عند التاريخ ولن نبكي الاطلال واستعادتنا لرموزنا الاردنية لهو من قبيل اعادة الاعتبار لهم بعد التهميش الذي نالهم ولا يزال في اعلام الحكومة وكذلك من قبيل التعلم من دروس التاريخ لاستشراف ما سيكون عليه المستقبل ، قبل ايام غادر الرفاعي الى امريكا لتسجيل ولده ، حفظه الله له وحفظ كل الشباب الاردنيين في احدى الجامعات الامريكية ، لا اعتراض ، ولكن هل هذا يجعلنا نعرف من هو رئيس الوزراء الاردني بعد خمس وعشرين عاما ؟ لي السؤال ، ولكم الاجابات .

بعد كل هذا ناتي للسؤال المتكرر والمهم ماذا بعد اسقاط سمير ؟ سياتي رئيس وزراء جديد وبنفس مواصفات سمير ابن سابق لرئيس وزراء وبلا خبرات ولا يحمل له الاردن الود ولا يحمل في داخله مصلحة الاردنيين ،للتخلص من هذه المشكلة لا بد من اجراء تعديلات دستورية تؤدي الى ملكية دستورية ، الملكية الدستورية هي الحل ،لن اخوض في هذا الموضوع اليوم ولكنه سيكون عنوان مقالي القادم .




khaledkasasbeh@yahoo.com

No comments:

Post a Comment